بشهادة العيان وبواقع أن التجربة خير برهان، أثبتت الجدية في تطبيق القرارات المدروسة دون تهاون أنها الطريق الأمثل لنجاح الإدارة، لاسيما إذا تخلت الجهات المسؤولة في الدولة عن سياسات غطى على قلوب مسؤوليها ما كانوا ينتهجونه من التردد والتحسب وخوف النقد وردود الأفعال، وإدمان سياسة الجري في المكان والاكتفاء بترديد الشعارات والأماني مع التحرر من القوانين والتساهل في تطبيقها وغض النظر عن مخالفتها ركضاً وراء شعبية وهمية أو تبادل منفعة شخصية، لتدرك تلك الجهات أخيراً أن الإنجاز أو الإصلاح المنشود لا ينال بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
أخيراً رأينا جهات حكومية في بلادنا تمضي في طريقها الصحيح، لا تنظر حولها أو خلفها أو إلى منتقديها أو معرقليها أو مهيلي التراب على عملها، ومنها وزارة الداخلية التي قررت أن تعيد الاحتفالات الوطنية إلى طريق الانضباط والفرحة المسؤولة والفعالية الراقية، بحيث يراعي كل مواطن حرية الآخر في أن يحتفل بطريقة آمنة لا يتعرض له فيها طفل أو مراهق أو كبير بقنابل الماء والفوم ولا يفسد عليه فرحة احتفاله بيوم التحرير والعيد الوطني، فغلّظت عقوبة المخالفة وشددت على أولياء الأمور بضرورة السيطرة على أبنائهم ومضت بشجاعة في التطبيق، لتكون النتيجة الفورية اختفاء الظاهرة التي عانتها الكويت طوال عقود عدة في مثال حي على الفاعلية.
ثم بقرار جادٍ آخر، قررت وزارة التربية تطبيق نظام البصمة على جميع العاملين بها رغم ما هب عليها من عواصف النقد، فانتظمت مناطقها وإداراتها ومدارسها وعاد موظفوها إلى أعمالهم التي كان بعضهم يزورها كل أسبوع أو كل شهر مرة لتوقيع ما فاته من أيام أو أسابيع.
ذانك برهانان ساطعان على أن أي قضية، ولاسيما إذا كانت تمس قطاعات عريضة من المواطنين، ستظل مصدر أرق ومعاناة لا يراوح حلها مكانه إلا إذا دخل حيز الإرادة الحقيقية والتنفيذ الصارم للقانون الذي لا يبتغي سوى مصلحة الوطن وأبنائه، وهو ما يجعلنا نسحب القياس على قضايا سلبية مصيرية أخرى تعانيها بلادنا منذ سنوات وعقود، كظاهرة تجارة الإقامات التي ظلت عصية على الحل وخطاً أحمر تهاب الجهات المعنية المتعاقبة الاقتراب منه فتلجأ لمعاقبة الضحية بدلاً من الجاني، ويعلو صوتها ثم يخفت عندما تصطدم بالحوائط العالية التي لا يمكنها تسلقها.
وقس على ذلك قضية المرور التي تعثرت الحلول الشجاعة بشأنها، ومثلها قضية الشهادات المزورة التي تكالب للحصول عليها الكثيرون وحصلوا من خلالها على علاوات وامتيازات ورواتب لا حق لهم فيها من أجل تقاسم كعكة المال العام التي أضحت نهباً لكل من تسول له نفسه أن ينهب.
ومن القضايا الواجب أن تصوب عليها الحكومة سهام جديتها قضية الفساد الذي استشرى، والهدر الذي تشهده قطاعات حكومية عديدة، إلى جانب التعليم المتردي وما يشهده من غش تدفع ثمنه الأمة بأسرها.
غير أن التحدي الأهم والأكبر يبقى ماثلاً في الملف الاقتصادي الذي هو محور الكثير والكثير من الخلافات، لاسيما مع تأثيره البالغ على حاضر الكويت ومستقبلها، ولذا فعلى الإدارة إذا ما أرادت أن تسحب نهجها الجدي على هذا الملف بقرارات شجاعة، أن تكون تلك القرارات مصحوبة بمصارحة الناس والإعلان عنها بشفافية في شتى وسائل الإعلام، مع شرح أبعادها وتوابع الإحجام عنها، وقبلها الفوائد المرجوة منها، مع عدم الالتفات إلى المشككين المثبطين الذين يحملون على كاهلهم محاولة وأد أي محاولة إصلاحية قد تتعارض مع ما يحوزونه هم أو مناصروهم من امتيازات.