رداً على سؤال بشأن الصراع الدائر بين «حزب الله» وإسرائيل وإلى أين يتجه لبنان في ظل ذلك؟، قال السنيورة: «على صعيد الوطن فإن الأكثرية من اللبنانيين ضد أن ينجر بلدهم إلى هذه المعركة العسكرية، والسبب في ذلك أن لبنان تعرض على مدار السنوات الخمسين الماضية لـ 6 اجتياحات إسرائيلية استنزفته، وهذا لا يعني أن لبنان لا يؤيد القضية الفلسطينية، إذ يعرف القاصي والداني أن لبنان يدعمها ودفع الكثير ولا منّة بذلك، وهو مؤمن بهذه القضية وعدالتها».

واستدرك السنيورة: «لكن لبنان لا يستطيع أن ينخرط في المعركة العسكرية، لذلك فإن الشعب اللبناني وأيضا الحكومة لا تريد الانخراط في المعركة، بينما على صعيد آخر تقول إيران ويقول حزب الله إنهما لا يريدان توسيع نطاق المعركة، ولكن من جهة أخرى، فإن في إسرائيل أصحاب الرؤوس الحامية من السياسيين والعسكريين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، يريدون توسيع نطاق العملية العسكرية، وجر لبنان، واستفزاز حزب الله لينخرط في المعركة العسكرية».

Ad

أزمات كثيرة

وتابع أن «هذا الأمر يجب أن نكون واضحين تجاهه، لأن لبنان يمر بأزمات كثيرة ولم يعد لديه شبكة الأمان التي كانت موجودة في 2006، فاليوم لبنان يمر بأزمة سياسية ووطنية ودستورية ماحقة، فلا يستطيع دخول أي معركة لأسباب عديدة، منها أن هناك تسلطا وخطفاً للدولة اللبنانية في دورها وسلطتها من إيران وحزب الله، وبالتالي لا يستطيع لبنان أن يقوم بما عليه كانتخاب رئيس الجمهورية، وأن يعيد للدستور والقانون قيمته وقوته، كما يمر أيضا بأزمة اقتصادية فظيعة، لا يستطيع أن يتحمل أي أعباء بهذا الشأن، فضلا عما يمر به من أزمة خطيرة تتعلق بوجود ما يعادل 40 في المئة من سكانه هم من اللاجئين السوريين، فبالتالي مجموعة من المشكلات تعوق لبنان، وأضرب مثالا بحادث تفجير مرفأ بيروت، وبالتالي تضررت جميع منازل ومؤسسات بيروت، وحتى هذه اللحظة الزجاج الحكومي لم يتم إصلاحه، فكيف للبنان أن يخوض حرباً بهذا الشكل؟، وبالتالي (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)».

وعند سؤاله، هل يعتبر حزب الله أماناً للبنانيين أم العكس من ذلك؟، أجاب السنيورة: «لا يستطيع أي بلد أن يستمر وأن يشعر أهله بالأمان إذا لم تكن هناك دولة ترعاه، فكيف يكون هناك ازدواجية بالسلطة، والله يقول بأنه لا يمكن أن يكون هناك ازدواجية في الكون، فلو كان هناك أكثر من إله لذهب كل إله بما خلق. الذي يؤدي الأمان للبلد أن تكون هناك دولة مسؤولة، وليس أن يفعل أحد الشيء وغيره يتحمل المسؤولية، وكنت أقول في عام 2006 عندما قام حزب الله بعمل الشيء هذا خلافا لما كان يقوله ولوعوده، إننا آخر من يعلم، وأقصد الدولة، وأول من يُساءل، فلذلك لا، فليس حزب الله شبكة الأمان للبنان، بل شبكة الأمان هي وحدة اللبنانيين، فلا ينبغي أن يخطف أحد الدولة ويقوم بأعمال ويتحمل كل اللبنانيين كلفتها».

حرب 2006

وبشأن سؤال: هل من أوجه تشابُه بين حرب 2006 والحرب الدائرة الآن بين حزب الله وإسرائيل، وهل يمكن إعادة المفاوضات لإنتاج القرار 1701؟ أجاب السنيورة: «عندما حدثت حرب 2006 كانت الحكومة اللبنانية آخر مَن يعلم، لذا كان موقفها آنذاك بأننا لم نكن على علم بما قام به حزب الله، كما أننا لا نتبنّى ما قام به الحزب، ووقفنا ضد إسرائيل وعانينا الأمرّين، وكانت مفاوضات شاقّة ودامية، لكننا استطعنا أن نحقق القرار 1701، وهذا القرار إسرائيل لم تحترمه وحزب الله لم يحترمه.

واستطرد السنيورة قائلاً: باختصار، القرار 1701 يقتضي أنه لا يكون بمنطقة الجنوب أي وجود للسلاح خارج إطار الدولة اللبنانية وقوات الأمم المتحدة، ومن الطبيعي في جلسة مجلس الوزراء التي أقر بها القرار 1701، أن قلنا إنه لو أن شخصا لديه «بندقية» تتم مصادرتها، وإنما يعني الأسلحة الثقيلة وما فوق البندقية من أجل حماية لبنان، وأبقى حزب الله أسلحته، وعلى الصعيد الآخر إسرائيل مستمرة في انتهاك القرار، ولم تنسحب من قرية الماري التي هي شمال قرية الغجر السورية، كذلك كل النقاط على الخط الأزرق بها انتهاكات من الجانب الإسرائيلي، وأكثر من ذلك، تقوم إسرائيل باحتلال مزارع شبعا، وهو الأمر الذي وضّحه القرار 1701 بإيجاد حل لهذه العملية ووضعها تحت سلطة الأمم المتحدة، ولا يزال حزب الله يتمسك بعدم تطبيق هذا الأمر، علما بأن الدولة اللبنانية في 2005 كانت تطالب حكومتها آنذاك التي كنت أمثّلها بوضعها تحت سلطة الأمم المتحدة، إلى أن يبتّ بأمر السيادة عليها هل هي للبنان أم لسورية؟ فسورية تقول لها ولبنان تقول لها، طيب على الأقل ليست إسرائيلية وخمسة أطراف وقفوا ضد الدولة اللبنانية، هي إسرائيل والولايات المتحدة، ثم سورية وإيران وحزب الله، لأنهم يريدون استمرار سلاح حزب الله.

وعن التباين بشأن المقال الذي نشره أخيرا في واشنطن بوست بعنوان «يد العرب ممدودة إلى إسرائيل، فهل ترد بالمثل؟»، قال السنيورة: «هناك من قرأه وأعجب به، وهناك من لم يعرف يقرأه وبالتالي لم يُعجب به، فنحن لم نمدّ يدنا بالسلام دون أن نحددها على أيّ أسس، فهي على أسس المبادرة العربية للسلام، بينما الآخرون يريدون بنا الانجرار إلى ما تقوم به إسرائيل، فهناك واحد يحاول إقناع العالم بأنها الطرف المظلوم، بينما هو الظالم، فبالتالي أقول للناس تقولون إنني ظالم، فأنا أقول أمد يدي فقا لهذه الشروط، فبالتالي إسرائيل تحاول تشويه الحقائق أمام العالم بأن العرب قتلة وإرهابيون، بينما أقول إن العرب يريدون السلام العادل، والعرب قاموا بعمل مهم في 2002 بتقديم المبادرة العربية للسلام، لكن قصّرنا بعدم المبادرة للترويج لهذه الفكرة من أجل إيجاد إجماع دولي: «وكأننا مسويين شيء مستحيين منه».

«الخماسية»

وبشأن الأوضاع الداخلية وانتخابات الرئاسة في ضوء التحركات الخماسية، أكد السنيورة أن وجود «الخماسية» مهم، لكن ليس هي صاحبة القرار ولا صاحبة القرار في تحديد من ينتخب، هذا قرار لبناني، مهمتهم التحفيز، ويجب ألا يكتفوا بأن يكونوا 5 أصابع كل واحد منهم بحاله، بل يجب أن يكونوا خمسة أصابع بيد واحدة، والمشكلة أن هناك من يحاول اختطاف القرار اللبناني ويقول إما أن تنتخبوا المرشح الفلاني أو «ما فيه انتخاب»، وهذا ناتج عن سوء تقدير لفكر الديموقراطية في لبنان القائم على الأكثرية والأقلية، ولم يكن قائما على أن تتسلط الأقلية على الأكثرية.

وقال إن النظام الديموقراطي قائم على الأكثرية والأقلية، والأقلية وظيفتها الوقوف ضد الأكثرية عندما تكون مهمشة، ولكن لا تصل إلى حد منع القرار، وألا يكون تعطيلا للدولة، الأسلوب الذي لجأنا له في لبنان والناتج عن سوء فهم النظام الديموقراطي، وهو الثلث المعطل، والثلث المعطل يعني معطل، هذا الأمر يجب أن يتوقف ويعود القرار، عبر فتح المجلس وتطبيق الدستور وليس تخييطه كما يريد، والحقيقة أن هناك أحدا يحاول منع الانتخابات على أساس «تعالوا نتحاور»، مضيفاً: «نعم يجب أن يكون هناك حوار، ولا يوجد شيء أسمى من الحوار في البلدان المتنوعة، لكن بدنا نحط براسنا أن الحوار يكتسب صدقيته وفعاليته بتطبيق ما تم الاتفاق عليه، أما إذا كل مرة نتحاور باتفاق ونروح نطبّقه يقولون بله واشرب ماي!».

وبشأن سؤال: على أي أساس اعتبرت عودة سعد الحريري ضرورة؟ قال: «على أساس أنه ابن لشهيد، وأنه عندما تولى المسؤولية استطاع أن يحقق انتخابات ضمّت 33 نائباً، وهي أعلى مرة يكون بها أكثرية 33 نائباً، وبالتالي هو أخذ قرار تعليق ممارسته بالعمل السياسي، فكنت ضد هذا الأمر، كما كنت ضد مواقف واجتهادات له عندما قرر القبول بالتسوية مع ميشال عون، فكنت أعتقد والأيام أثبتت صحة ما أقول بأن أيام ميشال عون لم تأت إلا بالمصائب، ولم أقرأ بالكفّ، فقد تبين منذ اليوم الأول من سنة 1989 أنه كان ضد اتفاق الطائف، وبقي على هذه الاجتهادات، مع أنه حلف اليمين عندما أصبح رئيساً للجمهورية على الالتزام بالدستور والدفاع عنه، لكن لم نشاهد خلال ممارسته إلا كل انتهاكات مستمرة للدستور، كما كنت ضد سعد الحريري في قرار ما يسمّى قانون الانتخاب الذي تم إقراره، وكانت نتيجته وبالاً على لبنان، لأنه أدى إلى تعميق الخلافات، والحريري إذا أراد أن يعود، فبالتالي عليه أن يستفيد من كل هذه التجارب، ويبني على الخلاصات منها».

عودة الحريري

وعن الوضع السني بعد عودة سعد الحريري، قال، «الوضع السني بحاجة إلى جهد إضافي من أجل تعزيز الوضع الوطني بلبنان، والقصة ليست قصة السّنة، علما بأن السّنة في لبنان، حسب مفهومي الشخصي للأمور، هناك واجب ودور يجب أن يلعبه السنة في لبنان، لكن دون أن يوليهم هذا الدور أي ميزة على زملائهم في الوطن، وهذا الدور طبيعي واجبهم يقومون به، ولبنان بين كل الدول العربية هو الذي لديه دستور مدني وليس طائفياً»، مستطرداً: «شيل الممارسة على جنب».

وتابع السنيورة: بالدستور لا يوجد نص ينص على أن هذا الموقع لهذه الطائفة، حتى رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ورئيس الوزراء، هناك شيء أساسي هو احترام الكفاءة والجدارة والاستحقاق، هذا هو الدستور اللبناني، وأي فهم له خارج هذا الإطار هو مخالفة للدستور.

وقال «إن الدور الذي يجب على المسلمين السنة أن يلعبوه، بحكم أنهم أكبر مجموعة بلبنان، وممتدون من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن البحر إلى الحدود السورية، ولهم شرايينهم مع العالم العربي، وهو اللحمة التي تجمع اللوحة الفوسيفسائية التي يتكون منها لبنان، واللوحة الفوسيفسائية هي جميلة ومقدرة بقدر تماسكها، ولما تكون اللحمة قوية تتماسك هذه اللوحة وتصبح جميلة، وعندما يخف عنصر تماسكها تتناثر اللوحة ولا يكون لها أي قيمة».

«رئيس الجمهورية»

وحول منصب رئيس الجمهورية، ومن المستفيد من عدم شغله إلى الآن، أجاب السنيورة، «المستفيد الذي لا يريد الخير بلبنان، ومن يحارب من أجل استنفاذ كل لبناني، حتماً إسرائيل لا تريد الخير للبنان، وإيران تستخدم لبنان من أجل مصالحها»، ولم تقتصر على لبنان «فاتت على لبنان وسورية والعراق واليمن، فلم تدخل إيران على بلد إلا وخربته، فقد خربت وزادت حدة التشنجات الطائفية في تلك الدول»، وبالتالي لبنان لم تنتخب رئيس جمهورية، لأن حزب الله يقول ومن وراءه إيران، «اما أن تنتخبوا من بدي إياه أو ما فيه انتخابات هذا باختصار».

وحول «هل ذلك يعني هذا أن الحل بأن تكون قرارات لبنان من الداخل وليس من الخارج؟»، أكد السنيورة أن هذا طبيعي، فكل دولة تسعى إلى أن يكون قرارها من الداخل وليس من الآخرين، ولكن ما يجرى الآن بشأن رئيس الجمهورية نتيجة سوء فهم البعض، ممن يحاولون تخريب عقول اللبنانيين بأنهم يصورون أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون الأكثر تمثيلاً في طائفتهم، والحقيقة أن الدستور اللبناني يقول بصريح العبارة رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن وليس رمزا لفرقته ورئيسا لكل اللبنانيين، وهو الذي يجمع اللبنانيين، وبالتالي معه سلاح نووي اسمه الدفاع عن الدستور.

وحول العلاقات الخليجية - اللبنانية وتعرضها للاختبارات الصعبة والتحديات في بعض الأوقات، قال السنيورة «حبة الألماس لا تصير ألماسة إلا لما يتم حكها، وقتها يظهر جوهرها»، فأقول دائما «الشدائد تبين معادن الرجال، فالعلاقات بين لبنان وأشقائه بالخليج يجب دائماً الحرص عليها وتنميتها وتعزيزها، فلطالما وقف لبنان مع هذه الدول في أيام المحن، وكٌثر من دول الخليج ولدوا بلبنان، وتعلموا بلبنان، واستشفوا بلبنان، واليوم أخوهم لبنان يتعرض لتحديات كبرى، والشقيق وقت الضيق، ودائما نحن حريصون على هذه العلاقة الأخوية والصادقة والحريصة، ونأمل أن يبقوا إلى جانبنا، وكلنا ثقة بأنهم لا يريدون من لبنان إلا دعم لبنان».

إشادة بمبادرة «حل الدولتين» لمجلس العلاقات العربية الدولية بقيادة الصقر

عن اقتراح حل الدولتين الذي قدمه مجلس العلاقات العربية والدولية والموقع من شخصيات عربية مع رئيس المجلس محمد جاسم الصقر، أجاب «أنا أحد أفراد هذا المجلس، وحل الدولتين لطالما أنادي به وأشدد عليه، وعلينا أن نحمل هذه القضية وندافع عنها لمصلحة الفلسطينيين والعدالة، فما يجري عملية إبادة جماعية لا يجوز أن تستمر، والطريق الوحيد يكمن في حل الدولتين، ويجب أن نضعها بشكل واضح بأننا نريد الدولة الفلسطينية السيدة الحرة للفلسطينيين، حقهم أن يكون لديهم وطن وعندهم دولة، ويجب أن نتمسك به ونعمل له، ونستفيد من هذه الأجواء المؤيدة لموضوع إنشاء دولة فلسطينية أن نبني عليها وليس نتقاعس أو نستحي، فهذه القضية مؤمنون بها ويجب أن ندافع عنها».

«عندما يموت البطل يخلص الفيلم»

عند حديثه عن مشكلة مزارع شبعا، قال السنيورة إنه «في عام 2008 عندما كنت أشكل حكومتي الثانية حضرت كونداليزا رايس للبنان، وصرحت آنذاك من خارج مكتبي بأنه آن الأوان لأن نجد حلاً لمشكلة مزارع شبعا، فبادر أعضاء حزب الله برفض ذلك... لماذا؟»، وأجاب: «لأنك تشير بذلك إلى ما يسمى بالذريعة، وتنطبق مقولة عندما يموت البطل يخلص الفيلم وبالتالي هناك من يريد تكرار المشكلة ويستمر فيها».

شيخ الأزهر نلجأ إليه للاستفادة والاستزادة

بشأن لقائه مع شيخ الأزهر على هامش زيارته للقاهرة، وصف السنيورة اللقاء بالجيد كالعادة، «فهو رجل نلجأ إليه للاستفادة والاستزادة من إيمانه وحكمته وتبصره ودوره وموقعه، كما أصدر بياناً واضحا ما ورد به، وقدر العلاقة التي تربطنا بالأزهر الشريف والدور الوطني الذي يؤديه على صعيد المسلمين ككل والعلاقات الإسلامية - المسيحية، وهذا الدور هو مع وحدة المسلمين، والقفز فوق الخلافات الجانبية، ونحن أمة تؤمن بالسلام، ونستخدم جملة السلام عليكم».