(لا تدعهم يرونك قادماً)، مبدأ إداري قديم طبقه كثير من القادة الإصلاحيين الذين أبقوا أنفسهم في الظل أو عملوا بجد وراء الكواليس حتى ظن الآخرون أنهم صغار في أهميتهم الظاهرة ثم برزوا فجأة على المسطح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الأسري، ليسيطروا على المشهد العام السائد، هذا المبدأ استخدمه الممثل الأميركي العالمي آل باتشينو في فيلمه الشهير «محامي الشيطان» أو (Devil’s Advocate) مؤكداً أسلوب العمل في الخفاء بعيداً عن الضجيج الإعلامي حتى لا «تتفركش» الخطة ويفشل وتذهب ريحه، إلى أن تحين ساعة الصفر المهنية للإعلان عن الهدف.

هذا المبدأ ذكرني بمشكلة كنا ومازلنا نعانيها، فشعوب دول الشرق الأوسط كانوا وما زالوا ينادون بضرورة التخلص بأي طريقة من أصنام القبلية المقيتة وأوثان الطائفية البغيضة، ومن معابد العشائرية المفرقة للجهود دون جدوى، بعد قسمت هذه الأدوية المنتهية الصلاحية أوطانهم إلى كانتونات بسبب منافسة المتمصلحين من مرشحي الانتخابات البرلمانية واللاهثين وراء مكاسب الجمعيات التعاونية المادية والطامحين في الظهور الاجتماعي والسياسي في جمعيات النفع العام، الأمر الذي دفع بالبرلمان الكويتي، على سبيل المثال، نحو تشريع قانون الوحدة الوطنية لنبذ الطائفية والقبلية، حتى هذه لم تنفع في صد الذين يصطادون في الماء العكر عندما أخذوا بالالتفاف على القانون والبحث عن أي ثغرة فيه، ليواصلوا مسيرة تحقيق مصالحهم الشخصية، حتى لو كان على حساب تمزيق البلد وتقسيمه.

Ad

ولهذا ظهرت في الكويت مسألة ارتباط اسم القبيلة باسم الشخص، رأيناها عند الذين يحملون شارات أسمائهم على صدورهم، الأمر الذي سهل على المراجعين من أي قبيلة أو طائفة أو عائلة اللجوء لموظف ينتمي إلى قبيلته أو طائفته أو عائلته فينهي معاملته بسرعة، حتى لو كان فيه تجاوز على القانون، وهو أمر أحرج كثيرا من المسؤولين أمام أبناء قبيلتهم أو طائفتهم لشعورهم بالعجز عن تلبية رغباتهم المناقضة للقانون.

لهذا بدأ الحرس الوطني في عام 2004 بالتعامل مع هذه المعضلة الاجتماعية التي كانت تقض مضجع سير العمل بسلاسة، وفرقت بين أبناء الوطن الواحد على حساب العدل والمساواة وعلى حساب القانون، عندما أصدر قادة هذه المؤسسة العسكرية أمراً لمنتسبيها بوضع الاسم الثلاثي فقط على صدورهم دون اسم القبيلة، الأمر لم يتطلب سن قانون مثل قانون الوحدة الوطنية، ولا ضجيج إعلامي لـ«يتفشخر» على الآخرين قائلاً «ها نحن أنجزنا»، بل تم كل شيء بهدوء فتحقق الهدف باقتدار.

نجحت هذه الفكرة الجهنمية بتيسير أمور المراجعين وتطبيق القانون على الجميع، فطبقتها وزارة الداخلية على منتسبيها من المدنيين والعسكريين، حتى سارت الأمور حسب الأصول بلا معوقات ودون إزعاج من واسطات النواب والمتنفذين، وقد أخبرني أحد ضباط وزارة الداخلية أنها من أفضل الأفكار التي طبقت في وزارة الداخلية لتسريع وتيرة إنهاء معاملات المراجعين الذين لا يهم كثير منهم إن كانت معاملته مخالفة للقوانين أو أنها غير مستوفية الشروط، حتى لو كان فيها عقوبة للمسؤول الذي أنجز معاملته غير القانونية، فما يهم المراجع هو أنك لو كنت من أبناء قبيلته أو طائفته، فإن أخلاقيات القبيلة والطائفة، حسب فهمه، تفرض عليك مساعدته بأي ثمن وبأي طريقة، وإلا قدم شكوى في حقك عند شيخ القبيلة أو عند أحد معارف أسرتك.

اليوم مثل هذه المخاوف اختفت من معاملات المراجعين بوزارة الداخلية والحرس الوطني، والبركة في تلك القيادة الجريئة التي أوجدت طريقة ذكية لتطبيق القانون على الجميع، ونتمنى أن تطبقه الوزارات الخدمية الأخرى في الدولة حتى نتخلص مبدئياً من الواسطة والمحسوبية ومن دوشة المتنفذين، ونتخلص من أمراض القبلية والطائفية.