هزت الانتصارات الروسية الميدانية الأخيرة في الحرب الأوكرانية، ثقة زعماء الغرب بمسار الحرب في أوكرانيا، وسط خشية من أن تميل الحرب لمصلحة موسكو، وهو ما ظهر جلياً في كلمات وتحذيرات رجال الدولة والدبلوماسيون والقادة العسكريون، وخلال مؤتمر ميونيخ الأمني، الذي اختتم أعماله أمس الأول.

إضافة الى التقدم الروسي المقلق في أوكرانيا، هيمنت على أجواء المؤتمر المرموق، قضية الرحيل الغامض للمعارض الروسي البارز اليكسي نافالني في سجنه القطبي، وكذلك مسألة المساعدات الأميركية لكييف العالقة في الكونغرس بسبب خلافات الحزبين، وتصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، المرشح شبه الأكيد للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية العام الحالي، حول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتلميحه بعدم الالتزام بالبند 5 في معاهدة الناتو التي تقضي بدفاع أعضاء الحلف عن بعضهم في حال تعرض أي دولة لاعتداء، وكذلك تعهده بتشجيع روسيا على غزو أي دولة لم تتلزم بدفع مخصصاتها المالية للحلف.

Ad

هجوم جديد

وأفاد الجيش الأوكراني، أمس، بإطلاق «نيران كثيفة» من قبل القوات الروسية قرب مدينة روبوتيني الواقعة في منطقة زابوريجيا في جنوب أوكرانيا، والتي استُعيدت خلال الهجوم المضاد الذي شنّته كييف في الصيف.

وقال المتحدث باسم الجيش الأوكراني في هذه المنطقة دميترو ليخوفي، إنّ «العدو نفّذ عشر محاولات فاشلة على مواقع تابعة لقوات الدفاع (الأوكرانية) في منطقة روبوتيني»، مضيفاً أنّ «الوضع هناك متغيّر. العدو يُطلق نيراناً كثيفاً».

وأشار إلى أنّ الجيش الأوكراني صدّ هجمات نُفّذت «بعدد كبير من المركبات المدرّعة»، لكنّهم يهاجمون الآن «بمجموعات هجومية صغيرة، بالإضافة إلى مركبات مدرّعة وطيران يعمل بنشاط».

من ناحيتها، أفادت قناة «ديبستايت» المقرّبة من الجيش الأوكراني، عبر تطبيق «تلغرام، بأنّ القوات الروسية تمكّنت من اختراق الدفاعات الأوكرانية في فيربوفي، الواقعة على بعد عدّة كيلومترات شرق روبوتيني.

وبحسب قناة «ريبار» المقرّبة من الجيش الروسي، فقد حصلت القوات الروسية على موطئ قدم لها في الضواحي الجنوبية لروبوتيني.

وكانت أوكرانيا قد استعادت روبوتيني من القوات الروسية في أغسطس، الأمر الذي وصفته كييف بالنجاح الكبير في هجومها المضاد ضد القوات الروسية.

وبدأت الهجمات على هذا الجزء من الجبهة الجنوبية خلال نهاية الأسبوع في وقت كان يستعيد الجيش الروسي مدينة أفدييفكا، الواقعة على بعد نحو 150 كيلومتراً شمال شرق روبوتيني، بعد 4 أشهر من الهجمات المتكرّرة. وقال المتحدث دميترو ليخوفي إنّ «الروس يعيدون تجميع صفوفهم (في أفدييفكا) وقد حقّقوا أهدافهم التكتيكية»، مضيفاً أنّ «من المحتمل أن ينقلوا وحدات (من أفدييفكا) إلى قطاعات أخرى».

روسيا لا تتوقف

وحذرت رئيسة جورجيا سالومي زورابيتشفيلي (71 عاماً) من خطر العدوان الروسي على دول أوروبية أخرى إذا خسرت أوكرانيا الحرب، وقالت لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، على هامش مؤتمر ميونيخ: «هذه هي طبيعة روسيا، أنها لا تتوقف إذا لم يتم إيقافها، ويتعين على الأوروبيين أن يشعروا بالقلق»، مرددة مقولة إن «أوكرانيا تقاتل اليوم فعلا للدفاع عن الأمن الأوروبي، والأوكرانيون يضحون بأرواحهم من أجل الأوروبيين الآخرين».

وفي إشارة إلى تباين في تقدير خطر روسيا داخل أوروبا، أضافت: «لا يوجد فرق بين دول البلطيق وبولندا وباقي دول الاتحاد الأوروبي، فخيار فلاديمير بوتين، إذا ذهب أبعد من ذلك، وإذا لم يتم هزيمته في أوكرانيا، يمكن أن يكون أي شيء». وينظر إلى زورابيتشفيلي، التي لا تتمتع إلا بحد أدنى من السلطات، وتشغل منصبا شرفيا إلى حد كبير، على أنها مؤيدة للغرب في بلد يخضع لنفوذ روسي قوي. واتهمت الحكومة مرارا بأنها موالية لموسكو.

الوحدة الأطلسية

ورغم إبداء الحكومة الألمانية تحفظها على المقترحات الخاصة بتعيين مفوض أوروبي للدفاع، تجددت الدعوات لدى زعماء أوروبا إلى بذل مزيد من الجهود لضمان أمن القارة في وسط أجواء التشكيك في ثبات واستدامة القيادة الأميركية للناتو بعد تصريحات ترامب التي وصلت الى حد التلويح بالخروج من الحلف. ويصر الدبلوماسيون في العديد من دول الحلف على أن بقاء أميركا داخل الحلف أمر أساسي لردع التهديد من روسيا، لكنهم متفائلون بشأن مصداقية تهديدات ترامب ويقولون إن الحلف خرج من ولاية ترامب الأولى سالما.

وقال رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو: «الوحدة هي أكبر رصيد يمتلكه الغرب ضد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين... آخر شيء يمكن أن نفعله هو التخلي عن هذا الرصيد». رغم ذلك، أقر دي كرو بأن أوروبا تتحمل مسؤولية تولي مقاليد أمنها بنفسها، مضيفا: «علينا خلال السنوات المقبلة إقامة ركيزة أوروبية أقوى داخل حلف شمال الأطلسي».

إحياء «مثلث فيمار»

في الوقت نفسه قام رئيس وزراء بولندا الجديد دونالد توسك، بزيارة برلين، حيث التقى المستشار الألماني أولاف شولتس، ثم طار إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مسعى لتعزيز التعاون في مجال السياسة الخارجية لأوروبا. وقال المستشار الألماني في مؤتمر صحافي مشترك، إنه لا غنى عن التضامن والعمل المشترك بالنسبة لألمانيا وبولندا، «بصفة خاصة في الوقت الذي تهدد فيه الإمبريالية الروسية أمننا المشترك في أوروبا». وشدد توسك على أن الاتحاد الأوروبي، متفوق على روسيا، على الصعيدين الاقتصادي والمالي، ورغم ذلك، أوضح أن هناك حاجة إلى مزيد من الإصرار لتوظيف ثروات أوروبا من أجل الأمن والدفاع.

وفي باريس، أشاد الرئيس الفرنسي ماكرون برئيس وزراء بولندا وحكومته، ووصفهما بأنهما «شركاء موثوقون ومؤيدون لأوروبا... ويتسمون بالوضوح فيما يتعلق بالأمن الأوروبي»، وأكد الدعوات لتعزيز صناعة الدفاع الأوروبية.

وأضاف توسك: «هذا هو أيضا ما سيجعل من الممكن أن تصبح أوروبا قوة أمنية ودفاعية مكملة لحلف شمال الأطلسي، والركيزة الأوروبية للحلف».

وعلى نحو منفصل، استضاف وزير الخارجية الفرنسي الجديدـ ستيفان سيغورنيه، نظيريه، الألمانية أنالينا بيربوك، والبولندي ورادوسلاف سيكورسكي خارج باريس. وناقش الاجتماع الثلاثي، الذي عقد في إطار صيغة «مثلث فيمار»، تعميق السياسة الخارجية والتعاون الأمني. وصيغة «مثلث فيمار» عبارة عن تحالف أقامته الدول الثلاث في عام 1991 للعمل معا فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية.

وقال وزير الخارجية الفرنسي، عقب تصريحات ترامب بشأن الناتو، إن أوروبا بحاجة إلى بوليصة «تأمين على الحياة» ثانية لا تكون بديلة للناتو، بل تشكل إضافة جديدة للحلف.