في تقييم أولي للضربات التي شنها الجيش الأميركي ليل الجمعة ــ السبت على مواقع عسكرية في سورية والعراق، يتضح أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن فشلت في تحقيق الأهداف التي أرادتها في ردها على مقتل 3 جنود أميركيين في الأردن بقصف لميليشيات مرتبطة بإيران.

فالموجة الأولى من الضربات لم تكن قوية ومؤلمة لدرجة ردع الفصائل الموالية لطهران عن التجرؤ على استهداف القوات الأميركية مجدداً، كما أن عدم شن ضربات داخل إيران لم يكن، على ما يبدو، كافياً، لتجنيب المنطقة جولة تصعيد أخرى، إذ بدأت مصادر إيرانية تشير إلى خرق أميركي لبنود تفاهمات تم التوصل إليها حول الرد الأميركي، في حين جددت بعض الفصائل الوكيلة لطهران مثل حركة «النجباء» تعهدها بمواصلة الهجمات ضد القوات الأميركية في سورية والعراق.

Ad

وفي حين أفيد بمقتل نحو 45 شخصاً في الضربات الـ 85 التي استهدفت عدة مواقع موزعة بين سورية والعراق، كشف مصدر رفيع المستوى في «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، عن خرقين أميركيين للتفاهمات حول تجنب التصعيد بعد الهجوم الذي أودى بحياة جنود أميركيين في الأردن، والتي تم التوصل إليها عبر مفاوضات غير مباشرة قادتها بغداد.

ولم تتمكن «الجريدة» من الحصول على تعليق من السلطات الأميركية حول وجود تفاهمات مسبقة بين واشنطن وطهران. وقال المكتب الإقليمي لوزارة الخارجية الأميركية، إنه ليس لديه أي شيء عن هذا الموضوع.

وأوضح المصدر الإيراني لـ «الجريدة»، أن الاتفاق كان يقتضي أن تبلغ واشنطن مسبقاً عن المواقع التي ستستهدفها، وتم بالفعل تسليم لائحة أهداف للإيرانيين إلا أن عدة مواقع جرى قصفها ليل الجمعة ــ السبت لم تكن على تلك اللائحة.

ورغم ذلك أفاد المصدر بأن المواقع التي تم استهدافها معظمها عبارة عن مخازن أسلحة متوسطة، وأن تضررها لن يؤثر على إمكانات الفصائل العسكرية. في المقابل، قالت القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، إن الضربات استهدفت مراكز تحكم وقيادة ومخازن صواريخ ومسيّرات وسلاسل إمداد.

وبحسب المصدر، فإن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني قدم اقتراحاً بألا يشمل الرد الأميركي ضربات داخل العراق، في حال أعلنت الفصائل المسلحة الموالية لطهران وقف الهجمات على القوات الأميركية، وتعهدت بالالتزام بمخرجات المفاوضات التي تجريها بغداد مع الأميركيين حول وجود التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وأضاف أن الأميركيين لم يردوا على اقتراح السوداني، وتجاهلوا إعلان تعليق العمليات العسكرية من جانب «كتائب حزب الله العراقية»، العمود الفقري لائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق»، الذي تبنى أكثر من 170 هجوماً على القوات الأميركية في سورية والعراق منذ 7 أكتوبر 2023 موعد هجوم حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل الذي أطلق حرباً إسرائيلية وحشية متواصلة على قطاع غزة.

وكشف أنه تم إبلاغ بغداد بالضربات قبل نصف ساعة فقط، في وقت نفت بغداد أمس أنها أُبلغت مسبقاً بهذه الضربات، وقالت إن الخطوة الأميركية تضع الأمن في العراق والمنطقة على حافة الهاوية.

وذكر أن قائد «فيلق القدس» اللواء إسماعيل قآني رفض المشاركة في مفاوضات مباشرة مع الأميركيين، كما رفض اقتراحاً أميركياً بقصف موقعين إيرانيين، أحدهما في مياه الخليج، والآخر بين محافظة سيستان وبلوشستان وهرمزكان المطلة على بحر عمان، وبعد الضربات ستسمح واشنطن لبغداد بالإفراج عن أرصدة إيرانية كبيرة كما يمكن الدخول في مفاوضات لإعادة ترسيم الخطوط الحمر بين الجانبين.

وبينما قال المصدر إن موسكو رفضت مجدداً طلباً إيرانياً بتفعيل دفاعاتها الجوية ضد الضربات الأميركية أو حتى السماح لإيران بتفعيل دفاعاتها، منتقداً بشدة الحكومة السورية، أكد أن السوريين لم يطلقوا حتى رصاصة واحدة ضد الضربات، مشيراً إلى أن صمت سورية محيّر.

ومع زيادة سخونة حملات الانتخابات الرئاسية هذا العام، أثارت الضربات انتقادات لاذعة من الجمهوريين الذين تحدثوا عن تقاعس في الإضرار بطهران والتأخر بالاستجابة والكشف عن طبيعة الرد الأميركي قبل التنفيذ.

وفي تفاصيل الخبر:

في عملية واسعة تنذر بمزيد من التصعيد في الصراع الدائر بالشرق الأوسط، نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 3 أشهر على قطاع غزة، وجّهت الولايات المتحدة عشرات الضربات الانتقامية في العراق وسورية، استهدفت مواقع للحرس الثوري الإيراني والمجموعات الموالية لإيران، رداً على هجوم «البرج 22»، الذي أدى إلى مقتل 3 جنود أميركيين الأحد في الأردن.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن الضربات استمرت نحو 30 دقيقة، وكانت «ناجحة»، مبيناً أن المقاتلات المشاركة في هذه العملية «استهدفت في المجموع 85 هدفًا في 7 مواقع مختلفة، 3 في العراق، و4 في سورية، بأكثر من 125 ذخيرة دقيقة التوجيه».

وذكرت وزارة الدفاع (البنتاغون) أن العملية الانتقامية شاركت فيها مقاتلات عدّة، بما فيها قاذفات بي-1 البعيدة المدى، انطلقت من الولايات المتحدة، مؤكدة أن الضربات أصابت مراكز قيادة وتحكّم ومنشآت لتخزين صواريخ وقذائف وطائرات مسيرة، وكذلك منشآت للوجستيات وسلاسل إمداد ذخيرة.

وإذ أوضح كيربي أن واشنطن «أبلغت الحكومة العراقية» قبل تنفيذ الضربات، أكد مدير العمليات بهيئة الأركان المشتركة، دوغلاس سيمز، أن الضربات الناجحة استهدفت فيلق القدس (الجناح المسؤول عن العمليات الخارجية للحرس الثوري)، وأدت إلى انفجارات ثانوية كبيرة عندما أصاب القصف أسلحة الفصائل، الموالية له.

وبعد حضوره وكبار قادة وزارة الدفاع مراسم وصول رفات الجنود الأميركيين الثلاثة، ويليام ريفرز، وكينيدي ساندرز، وبريونا موفيت، إلى قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلاوير، قال الرئيس الأميركي، في بيان، «ردّنا بدأ اليوم، وسيستمر في الأوقات والأماكن التي نختارها»، مضيفاً: «لا نسعى لنزاع في الشرق الأوسط أو في أيّ مكان بالعالم. ولكن فليعلم جميع من قد يسعون إلى إلحاق الأذى بنا، إذا ألحقتُم الضرر بأميركيّ، فسنردّ».

بدوره، قال وزير الدفاع لويد أوستن: «هذه بداية ردّنا»، مشيراً إلى أن بايدن أصدر تعليمات بالمزيد من التحرك ضد الحرس الثوري الإيراني والجماعات المرتبطة به.

وأضاف أوستن: «لا نريد صراعاً في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر، لكنّ الرئيس وأنا لن نتهاون مع أي هجمات، وسوف نتخذ جميع الإجراءات الضرورية للدفاع عن الولايات المتحدة وقواتنا ومصالحنا».

العراق وسورية

وتسببت الضربات الأميركية في مقتل 23 عنصراً موالياً لإيران على الأقلّ في سورية، و16 في العراق، من ضمنهم 3 مدنيين.

وفي العراق، استدعت وزارة الخارجية القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة، ديفيد بيركر، احتجاجاً على «العدوان الأميركي»، فيما دعت رئاسة الجمهورية إلى اجتماع طارئ للرئاسات الثلاث لبحث الهجمات الأميركية.

وقال يحيى رسول (المتحدّث العسكري باسم رئيس الوزراء محمد السوداني)، في بيان «هذه الضربات تُعدّ خرقًا للسيادة العراقية، وتقويضًا لجهود الحكومة، وتهديدًا يجرّ العراق والمنطقة إلى ما لا تُحمد عقباه، ونتائجه ستكون وخيمة على الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة».

وأكد المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، أن الضربات استهدفت «مواقع وجود قواتنا الأمنية» وكذلك «أماكن مدنية مجاورة» في منطقتَي عكاشات والقائم على حدود سورية، محذراً من أن «هذه الضربة العدوانية ستضع أمن العراق والمنطقة على حافة الهاوية».

واتهم العوادي «الجانب الأميركي بالتدليس وتزييف الحقائق، عبر الإعلان عن تنسيق مُسبق لارتكاب هذا العدوان، وهو ادّعاء كاذب يستهدف تضليل الرأي العام الدولي، والتنصل عن المسؤولية القانونية لهذه الجريمة».

ورأى أن «وجود التحالف الدولي الذي خرج عن المهام الموكلة إليه والتفويض الممنوح له، صار سبباً لتهديد الأمن والاستقرار في العراق، ومبررا لإقحامه في الصراعات الإقليمية».

وفي سورية، قال مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، إنه تم تدمير ما لا يقل عن 26 موقعا رئيسياً تؤوي جماعات موالية لإيران، بما في ذلك مستودعات أسلحة.

وتعرّضت القوات الأميركية لأكثر من 170 هجوما في العراق وسورية والأردن منذ الهجوم بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر، تبناها ائتلاف «المقاومة الإسلاميّة في العراق»، المدعوم من إيران، والذي يضم خصوصاً كتائب حزب الله وحركة النجباء، التي قالت، أمس الأول، إنها ستواصل العمليات العسكرية، ودعت الكتائب الى التراجع عن قرار تعليق الهجمات. وأعلنت وزارة الدفاع السورية أن «العدوان الجوي السافر» للقوات الأميركية أدى إلى مقتل عدد من المدنيين والجنود وإصابة آخرين، وإلحاق أضرار كبيرة بالممتلكات العامة والخاصة.

وقالت الوزارة: «احتلال القوات الأميركية لأجزاء من الأراضي السورية لا يمكن أن يستمر، وأن القيادة العامة للجيش تؤكد استمرارها في حربها ضد الإرهاب حتى القضاء عليه، وعزمها على تحرير كامل الأراضي السورية من كل إرهاب واحتلال».

تباين الردود

وفي واشنطن، اتهم رئيس مجلس النواب الجمهوري، مايك جونسون، إدارة بايدن بأنها «انتظرت أسبوعا وصوّرت للعالم، بما في ذلك لإيران، طبيعة الرد»، مؤكداً أن «القلق العلني والإشارات المفرطة تقوّضان قدرتنا على وضع نهاية حاسمة لوابل الهجمات التي تعرّضنا لها، خلال الأشهر القليلة الماضية».

وانتقد كبير الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، روجر ويكر، تقاعس بايدن عن تكبيد إيران خسائر كبيرة بما يكفي، والتأخر كثيراً في الرد. وقال: «أمضى ما يقرب من أسبوع في إبلاغ خصومنا بنوايا الولايات المتحدة بحماقة، مما منحهم الوقت للانتقال والاختباء».

وأشاد رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، الديموقراطي جاك ريد، بردّ بايدن قائلاً إنه «كان رداً قوياً ومتناسباً».

وقال السيناتور الجمهوري جوني آرنست: «في نهاية المطاف، تحتاج إيران إلى أن تعرف ثمن حياة الأميركيين».

إيران

وفي إيران، حذّر المتحدث باسم وزارة الخارجية، ناصر كنعاني، من أن الهجمات تمثّل «مغامرة وخطأ استراتيجيا آخر ترتكبه الحكومة الأميركية، ولا نتيجة لها سوى ازدياد التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة»، وحثّ مجلس الأمن على منع «الهجمات الأميركية غير القانونية والأحادية الجانب في المنطقة».

واعتبر كنعاني أن «العدوان الأميركي يهدف إلى التغطية على الجرائم الصهيونية»، قائلاً: «السبب الجذري للتوتر والأزمات في الشرق الأوسط هو الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية للفلسطينيين بدعم أميركي غير محدود». وكانت إيران قد نفت رسمياً تعرّض أي مقار للحرس الثوري أو فيلق القدس لأي استهداف أو هجوم.

ضربات أميركية تشمل صعدة

أفادت القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم)، أمس، بأن قواتها دمرت 12 طائرة مسيّرة من دون طيار تابعة لجماعة أنصار الله الحوثية في عدد من الهجمات.

وأوضحت أن مدمرة تابعة للبحرية الأميركية أسقطت 8 مسيّرات فوق البحر الأحمر، أمس الأول، من دون تسجيل أي إصابات أو أضرار.

وأشارت إلى أنها نفّذت ضربات ضد 4 طائرات مسيّرة للحوثيين كانت معدّة للإطلاق في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في اليمن.

وأكدت القيادة أنها ستواصل جهودها من أجل حماية حريّة الملاحة والتجارة عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

وجاء ذلك بعد أن تحدثت الحركة اليمنية المتمردة المتحالفة مع إيران عن قيام طائرات مقاتلة أميركية وبريطانية بشنّ 4 ضربات جوية جديدة على مواقعها في معسكر كهلان بمحافظة صعدة الحدودية مع السعودية.