وسط تفاؤل حذِر، كشف مسؤولون أميركيون عن قرب توصلهم إلى اتفاق شبه نهائي بوقف الحرب الإسرائيلية الانتقامية على غزة لمدة شهرين، في مقابل إطلاق سراح أكثر من 100 لا تزال «حماس» تحتجزهم منذ هجوم «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المفاوضين الأميركيين أنهم يتوقعون أن يتم التوصل إلى الاتفاق خلال الأسبوعين المقبلين.

Ad

ووفق الصحيفة الأميركية، وضع المفاوضون مسودة اتفاق مكتوبة تدمج المقترحات التي قدّمتها الدولة العبرية والحركة الفلسطينية في الأيام الـ 10 الماضية، في إطار عمل أساسي سيكون موضوع محادثات في اجتماعات بدأها مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، في العاصمة الفرنسية باريس بمشاركة مسؤولين إسرائيليين ومصريين وقطريين.

وبينما لا تزال هناك خلافات مهمة يتعيّن حلها، فإن المفاوضين متفائلون بحذَر بأن الاتفاق النهائي في متناول اليد.

وإذا أحرز بيرنز تقدّماً كافياً، فقد يرسل الرئيس الأميركي جو بايدن منسقه لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، الذي عاد لتوه إلى واشنطن، إلى المنطقة، للمساعدة في وضع اللمسات النهائية على الاتفاقية.

ويقول المسؤولون إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه الآن سيكون أكثر اتساعا في نطاقه من الاتفاق السابق، ففي المرحلة الأولى، سيتوقف القتال لمدة 30 يوما تقريباً، بينما تطلق «حماس» سراح النساء والمسنّين والجرحى من الرهائن.

وخلال تلك الفترة، سيعمل الجانبان على وضع تفاصيل المرحلة الثانية التي من شأنها تعليق العمليات العسكرية لمدة 30 يوما أخرى تقريباً، مقابل إطلاق سراح جنود إسرائيليين والمدنيين الذكور.

ولا يزال يتعيّن التفاوض بشأن نسبة الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية، لكن يُنظر إليها على أنها قضية قابلة للحل.

وسيسمح الاتفاق بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر لتخفيف الأزمة الإنسانية.

وفي حين أن الاتفاق لن يكون بمنزلة وقف دائم لإطلاق النار الذي طالبت به «حماس» لإطلاق سراح جميع الرهائن، إلّا أن المسؤولين المقرّبين من المحادثات يعتقدون أنه إذا أوقفت إسرائيل الحرب لمدة شهرين، فمن المرجح ألّا تستأنفها بنفس الطريقة التي اتبعتها، والتي أفضت إلى مقتل 26 ألفاً و422 فلسطينياً، غالبيتهم من النساء والأطفال، وستوفر الهدنة نافذة لمزيد من الدبلوماسية التي يمكن أن تؤدي إلى حل أوسع للصراع.

وبينما يعتمد الرئيس الأميركي على قطر ومصر لتضييق الخلافات المتبقية مع «حماس»، نقل موقع واينت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الصفقة المرتقبة «تعكس تفكيرا بالتمني من جانب الأميركيين، أو محاولة لخلق مظهر الصفقة».

طرح ومعضلة

وفي وقت تسعى واشنطن للاستعانة بالسلطة الفلسطينية كبديل لحكم غزة، في حال نجاح إسرائيل بهدفها المتمثل في القضاء على «حماس»، تحدّث مصدر فلسطيني عن طرح إدارة بايدن على السلطة بزعامة محمود عباس تمرير قرار بمجلس الأمن يؤكد «حق الفلسطينيين بإقامة دولة».

ورغم التقارير المتواضعة عن التقدم الميداني ومعضلة إحراز النصر الحاسم بالحرب، قال وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، أنه لا يعارض فكرة جلب سلطة معتدلة لحكم غزة، لكنّه زعم أنه «لا بديل عن احتلال القطاع وإرساء نظام إداري عسكري إسرائيلي هناك».

وجاء ذلك فيما رجّح تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال أن ما بين 80 و60 بالمئة من أنفاق «حماس» تحت غزة لاتزال سليمة بعد أسابيع من الجهود الإسرائيلية الحثيثة لتدميرها، ما يعيق أهداف سلطات الاحتلال المركزية في الحرب.

مقاومة وخلاف

إلى ذلك، أكدت وزارة السلطات الصحية بغزة مقتل 165 شخصاً في الأربع وعشرين ساعة الماضية، بينما أصيب نحو 65 ألفاً و87 شخصاً منذ اندلاع الحرب.

وبينما تواصلت المعارك الطاحنة بين القوات الإسرائيلية وعناصر حركتَي حماس والجهاد على عدة محاور في القطاع، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن العملية البرية في خان يونس تصبح في هذه الأيام أطول من تلك التي تمت في شمال غزة، في المرحلة الأولى من الحرب، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يواجه مقاومة شديدة.

في سياق قريب، أفادت القناة 13 العبرية، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين كبار بأن هناك احتمالاً لتنفيذ عملية عسكرية في رفح خلال المرحلة الراهنة من الحرب المستمرة منذ 114 يوما، مشيرة إلى «إقامة فرق عمل مشتركة بين إسرائيل ومصر»، للنظر في التطورات والعلاقات المتوترة بينهما، بسبب مخاوف القاهرة من التسبب في موجة نزوح من غزة إلى سيناء.

وأمس الأول، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وجود أزمة في العلاقات مع مصر، بعد تقارير أفادت بأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي رفض طلباً لإجراء مكالمة هاتفية معه.

«أونروا» والإغاثة

في غضون ذلك، انضمت فرنسا إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا وإيطاليا وفنلندا بتعليق تمويلها لوكالة أونروا، فيما ناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول الغربية العدول عن إنزال عقاب جماعي على أهل غزة عبر تعليق تمويل المنظمة المعنية بغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مشيراً إلى طرد 9 موظفين بالهيئة بشكل فوري من أصل 12 اتهمتهم إسرائيل بالمشاركة في «طوفان الأقصى».

وحثّ غوتيريش الدول الغربية على العدول، ولو جزئيا، عن تعليق تمويلها لضمان استمرار عمل الوكالة في شهر فبراير المقبل.

من جهتها، أعربت الرئاسة الفلسطينية عن «رفضها للحملة الظالمة التي تقودها الحكومة الإسرائيلية ضد وكالة أونروا»، التي توظف أكثر من 13 ألف شخص، معتبرة أن الحملة تهدف لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

ووسط تحذيرات من تفاقم الوضع الإنساني لمئات الآلاف من المشردين بسبب الحرب في ظل سوء الأحوال الجوية وهطول الأمطار على الخيام المتكدسة بجنوب القطاع، تجمهر مئات الإسرائيليين عند معبر كرم أبو سالم، لليوم الخامس على التوالي، مما أدى إلى إغلاقه، بهدف منع دخول المساعدات الإنسانية.

القاهرة والرياض

في هذه الأثناء، جدد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ونظيره السعودي فيصل بن فرحان خلال اجتماع في القاهرة مطالبتهم بالوقف الفوري لإطلاق النار بغزة.

وقال شكري إن استمرار أزمة غزة يجعل المجتمع الدولي على مفترق طرق، مضيفا «المخاطر في البحر الأحمر كانت بسبب الممارسات الإسرائيلية بالقطاع».

ولفت إلى أن «الألفاظ التي استخدمت ضد موظفين بأونروا لم تستخدم احتجاجا على مقتل 26 ألف فلسطيني»، مؤكدا ضرورة إجراء تحقيق قبل استباق الإدانة للمنظمة.

من جهته، رأى فرحان أننا بحاجة إلى قرار دولي إلزامي لإيقاف العدوان وإدخال المساعدات.

وشدد على رفض سياسة التجويع والحصار التي ينتهجها الاحتلال، مؤكدا أن مخالفة إسرائيل للقوانين الدولية راح ضحيتها 30 ألف فلسطيني في غزة.

البديوي يؤكد أهمية استمرار دعم «أونروا»
أكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج، جاسم البديوي، أهمية استمرار الدعم المادي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (أونروا) في هذه الظروف الحرجة، ودعا الدول التي أعلنت تعليق مساعداتها للوكالة الدولية لمراجعة هذا القرار واستئناف مساعداتها في أقرب وقت.

وقال البديوي إن من شأن تعليق تقديم الدعم للوكالة أن يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني ويعرقل سير عمل المنظمة في أداء المهام الموكلة لها، في الوقت الذي يشهد قطاع غزة وضعاً إنسانياً كارثياً، يتطلب مضاعفة الجهود لتقديم الغوث للأطفال والنساء، وتشغيل المستشفيات لعلاج المرضى والجرحى والمصابين في الهجمات الإسرائيلية الشرسة على المدنيين والأهداف المدنية في غزة.

وأشاد بالجهود الإنسانية والإغاثية التي تقوم بها «أونروا» للأهالي في قطاع غزة وكل المناطق الفلسطينية المحتلة ومخيمات اللاجئين، معرباً عن استمرار دعم مجلس التعاون وتأييده الكامل للأهداف السامية التي تعمل الوكالة الدولية على تحقيقها.

وطالب الأمين العام، في ختام تصريحه، المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته بمضاعفة الجهود لتقديم كل أشكال الدعم للوكالة للاستمرار في أداء مهامها الإنسانية النبيلة لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق.