ربما لست الأجدر أو الأقدر على الكتابة في موضوع آثار الكويت عبر العصور، لكن دافعي الوحيد هو حب التاريخ والآثار ونقل ثمرات اطلاعي الدؤوب في هذا المجال لعامة الناس حتى يتكون لديهم فهم مبسط عن آثار هذا البلد وعصوره التاريخية.

يظن الكثير أن الكويت فقيرة تاريخياً، وأنها منذ القدم كانت صحراء قاحلة، تخلو من الحياة إلى أن استوطنها مجموعة صيادين عاشوا على خيرات البحر، وبدو يتنقلون في أرجائها بحثاً عن الماء والكلأ ويقتاتون من مواشيهم، ولم يكن لها وجود حقيقي وتاريخ إلا بعد اكتشاف النفط!!

لكن الدلائل الأثرية أثبتت عكس ذلك، بدأت رحلة التنقيب عن الآثار في الكويت عام 1957م على يد البعثة الدنماركية، ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، ومع كل موسم تنقيب أثري تسفر المكتشفات عن نتائج مذهلة.

Ad

وقبل الإسهاب يجب أن نعي أن جغرافية الكويت قديماً تختلف عنها اليوم، فقد مرت الجزيرة العربية بمراحل جيولوجية متباينة إلى أن وصلنا عصر التصحر الآني الذي نعيشه، وقبل ذلك كانت توجد في هذه الأرض والجزيرة العربية عموماً بحيرات طبيعية ومستنقعات، وكان شط العرب يمتد إلى خليج عمان وربما كانت الحياة تزدهر على ضفافه قبل غمره بالمياه وفقاً لعلماء الجيولوجيا والآثار.

وكانت فيما بعد منطقة متميزة جغرافياً بسبب وجودها في نهاية الخليج العربي، حيث كانت السفن الكبيرة المحملة بالبضائع ترسو على سواحلها، فهي ملتقى حضاري هام يربط الشرق بالغرب وبلاد النهرين بشبه الجزيرة العربية مما أكسب الجماعات البشرية الذين عاشوا ومروا على هذه الأرض تأثيرات مزدوجة.

ومواقع الكويت الأثرية التي دلت على عراقة أرضها وعمق تاريخها كثيرة، أهمها على الإطلاق جزيرة فيلكا (إيكاروس) ومن الجزر (عكاز) و(أم النمل) أما المواقع الأثرية في البر الكويتي ففي الصبية، وموقع بحرة التابع له، وبر وادي الباطن وصليبيخات وبرقان في الجنوب وكاظمة بالقرب من مدينة الجهراء، وأم العيش وغيرها، وهناك الكثير من المواقع التي لم تنقب إلى الآن، وأثبتت الدراسات أنها أثرية وسيتم الكشف عن أسرارها وكنوزها مستقبلاً. أما العصور التاريخية التي تعود لها تلك المكتشفات الأثرية حسب تسلسلها الحضاري فهي كالتالي:

آثار من العصر الحجري القديم والحديث، ثم يليه العصر البرونزي الذي أصبحت فيه أرض الكويت منطقة التقاء هام يربط عدة حضارات، وأصبحت جزيرة فيلكا مركزاً دينياً وإدارياً لمملكة دلمون، وفيما بعد العصر الهلينستي، ويليه العصر الإسلامي، ومن ثم الكويت في العصر الحديث والمعاصر.

ومن أهم الآثار التي تعود لتلك العصور المتسلسلة مستوطنات متقاربة ومجموعة كبيرة من القبور وقوارب شراعية وأوان فخارية وسهام الصيد والمكاشط والفؤوس، وهذي من أدوات العصور الحجرية، والعصر البرونزي كان من أهم مكتشفاته الأختام الدلمونية المزينة برسومات غاية في الجمال، وتعد الأختام الدلمونية المكتشفة في الكويت من أكبر الأختام التي تعود لتلك الفترة، وكذلك تماثيل عدة مصنوعة من مادة البرونز.

ثم آثار العصر الهلنستي التي تزخر بها أرض الكويت، وأهمها (حجر إيكاروس) الذي يحتوي على كتابة يونانية وتوصيات ملكية لسكان الجزيرة وتماثيل لعدة شخصيات من ملوك وناس من عامة الشعب ونماذج مصغرة لمذابح ومباخر وعملات وغيرها.

أما آثار الفترة الإسلامية فهي عملات تعود للخلافة الأموية والعباسية، ومقبرة إسلامية في موقع كاظمة التي حصلت فيها معركة ذات السلاسل الشهيرة سنة 11 هجرية، وانتهت بانتصار المسلمين على القوات الساسانية، والمكتشفات المستقبلية ستغير مفاهيم تاريخية كثيرة مغلوطة بشأن الكويت وشبه الجزيرة العربية.