في طريقي إلى مقبرة الصليبيخات، توقفت أمام برج كلية الحقوق بجامعة الكويت متأملاً هذا الصرح العريق الذي بُني في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي على الطراز الأندلسي، يا ترى هل ساعة البرج توقفت عند لحظة وفاته؟ أم يا ترى هل اهتزت الأرض ومال هذا البرج لفقده؟ أم تراه الحزن العميق الذي أطبق على قلبي منذ صباح هذا اليوم (الاثنين 15 يناير 2024) جعلني أتصور وأتخيل ذلك؟

أيها البرج الحزين كم مررت بك وأنا طالب أتلقى تعليمي الجامعي في هذه الكلية (1988-1993)، ولم أجدك إلا شامخاً تعلمنا الصبر والصمود كما يعلمنا أساتذة الكلية أبجديات القانون، فما لي أراك اليوم باهتاً منكسراً وقد توقفت دقات قلبك؟

خلال سنوات تعليمك الجامعي تمر بعشرات الأساتذة والمعلمين، لكن القليل منهم فقط من يترك فيك أثراً جميلاً، ويغرس في نفسك الثقة، ويشعل في قلبك جذوة التميز.

Ad

القليل منهم فقط من تشعر بتواضعه وصداقته لك، بالرغم من مكانته العلمية الرفيعة، وأنت لا تزال تلميذاً تجلس على أحد المقاعد أمامه! القليل منهم فقط من تحتفظ بعلاقتك به بعد التخرج من الجامعة، وتستمر صلتك به وتتوثق على مر السنين.

إنه الأستاذ الدكتور رشيد بن حمد العنزي، الحاصل على الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة كامبريدج (Cambridge University) ببريطانيا، وخلال مسيرته العلمية الطويلة كان نائباً لمدير الجامعة للأبحاث، وقاضياً بمحكمة قطر الدولية، ومارس المحاماة والتحكيم، وتولى العديد من المناصب الأكاديمية والإدارية، وكان مستشارا قانونيا في جهات كثيرة، وعضواً في لجان تحرير مجلات علمية محكمة، وزود المكتبة القانونية بإرث علمي عظيم وبمؤلفاته التي تزيد على ثلاثين كتاباً وبحثاً.

إنه الأستاذ الدكتور رشيد العنزي الذي غادرنا اليوم بجسده وترك خلفه الكثير من الحب والجمال والذكر الطيب، نعم الأستاذ ونعم المربي الفاضل ونعم الصديق.

بعد الصلاة على جسده الطاهر، تدافع المئات من الشباب والرجال والشيوخ لتتبع نعشه، ورأيت الأرض مسرورة وقد فتحت أحضانها لتضمه بين جنباتها، في حين رأيت في المقابل العديد من الرجال ممن لم يتمالكوا أنفسهم وذرفت قلوبهم قبل عيونهم الدمع والحزن، وعلى مثل هذا العلم الشامخ تذرف الدموع وتحزن القلوب، لكن لا نقول إلا ما يرضي الله، والحمد لله رب العالمين.

* كلية القانون، جامعة قطر