تعايشنا مرغمين مع الموقف الأميركي الظالم للحق العربي، والداعم بلا حدود لدولة الصهاينة، واستوعبنا مجبرين أن إسرائيل خط أميركا الأحمر، تعادي من يعاديها، وتسالم من يسالمها، وأن أميركا بالنسبة لإسرائيل هي الحامي والبقرة الحلوب، وهي مصدر قوتها المتغلغلة فيها إعلامياً واقتصادياً وحتى سياسياً، وأن إسرائيل حاملة طائرات أميركا، وقوة ردعها وذراعها الضاربة.

لكنّ الذي يصعب علينا استيعابه تلك العلاقة السريّة، أو لنقُل: تبادل المصالح الخفي بين أميركا وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، فرغم الحملات الإعلامية المعادية المتبادلة بينهم، ورغم إطلاق إيران لقب «الشيطان الأكبر» على أميركا، وإسرائيل شيطانها الأصغر، فإنّ الأمور بينهم تسير وكأنها متفق عليها، فما نراه على أرض الواقع ليس سوى حروب إعلامية شعواء لا غير، وتهويشات إيرانية وتحرّشات، تقابلها ردود أميركية مكتفية بالتنديد والتحذير.

Ad

فالهجمات التي ادّعت ميليشيات عميلة لإيران أنها شملت القواعد الأميركية لم تقتل أميركياً واحداً، ولا دمّرت حتى شاحنة صغيرة، وتلك الميليشيات لم تتلق إلّا ضربات تجميلية، أما إيران فلم يمسها أحد بضُرّ، رغم المعرفة بتبعية كل الميليشيات للنظام الإيراني مباشرة، فهو الذي سلّحها ودربّها وموّلها.

أما ما يثير العجب فهو «داعش»، الذي خرج علينا فجأة من العدم إلى العلن كنبتة شيطانية، على أنه تنظيم إرهابي سنّي متطرف، ومع هذا فإن كل ضحاياه من السنّة، ولم يدمروا وينهبوا ويهجّروا إلا المدن والقرى السنيّة، فهو لم يقتل لا أميركياً ولا إيرانياً!

نعم، إسرائيل خط أحمر أميركي، أما إيران فهي دجاجتها التي تبيض لها ذهباً، فكيف تقتلها؟ أميركا والغرب هم مَن أسقطوا شاه إيران، وهم مَن استبدلوه بخميني القادم من باريس على طائرة فرنسية، هم مَن أتوا بنظام الملالي الطائفي ليكون «البعبع» الذي يلجمون به كل مَن يتجرأ ويمتنع عن دفع فواتيره، وبه أجبرت دول الخليج العربي تحديداً على شراء المزيد من السلاح ودفع مستحقات الحماية المزعومة، أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإيران شوكة غُرِست في جنب العرب، فأشغلتهم عن فلسطين، وأشعلت النعرات والحروب الطائفية بيننا، فكيف تُقتَلع شوكة تؤلمنا؟

حتى الضربات الأميركية - الإنكليزية الأخيرة للحوثيين ليست مقنعة، لأنهما يعلمان أن إيران هي وراء كل تلك الهجمات، وأنهما اللذان منعا قوات التحالف العربي من تحرير ميناء الحديدة، إنها أحجية حيّرتنا بها أميركا.

أقول: شخصياً أحب أميركا، فهي التي حرّرتنا - بعد الله - من الغزو العراقي، وأضيف: نحن وأميركا حلفاء، ونحن على قناعة تامة بأنها حالياً هي الدولة المهيمنة على العالم، وأن معظم أسلحتنا وتجارتنا ومشاريعنا أميركية، وأن البعبع الإيراني أدى مهمته على أكمل وجه.

ألم يحن الوقت لتزيحوه عن كاهلنا، فنحن في أمسّ الحاجة لالتقاط أنفاسنا؟