المهمة الكبرى لرئيس الوزراء المكلف الشيخ محمد صباح السالم أن ينقل الكويت من حالة دولة الموظفين إلى دولة المنتجين. رص التمنيات والوعود السياسية مسألة سهلة، لكن تحقيقها سيكون بالغ الصعوبة متى وضعت على مدرج التنفيذ بعزم وإرادة تحطيم الفساد الإداري والسياسي وقتل ميكروباته الضارة.

إمبراطورية الموظفين هي دولة بيروقراطية مريضة بسرطان قاتل ينخر عظامها، سهل جداً أن يخبرك الموظف المسؤول أن تأتي في وقت لاحق، وأن هذه المعاملة لا يمكن إتمامها إلا بالحضور الشخصي لصاحب العلاقة، ولو كان «صاحب العلاقة هذا على فراش الموت!».

Ad

هذا أو ذاك الموظف المسؤول هو الآمر الناهي بدولة الدعايات السياسية و«رزات» الوجاهات المشيخية وخلق إدارات ليس لها من عمل غير بهرجة صاحب السعادة وإظهار بطولات دون كيشوتية له، وتنتظر فيها أجهزة إدارة المديح الإعلامي كلمات شكر ودعاء عبر تغريدة أو مقال ريائي يلمع صورة صاحب المعالي وفريقه التعيس، لعل وعسى أن يعلو معاليه صاحب الشأن من مكانه ويصبح مرشحاً قوياً للسلطة.

دولة الموظفين تعمل ولا تعمل بالوقت ذاته حسب القوانين واللوائح السقيمة، تنتقي من القانون واللائحة المنظمة ما تريده عندما يناسب ذلك مصلحتها وتتجاوزه باستثناء، متى رأت غير ذلك وحسب ما تريد أصول الواسطة والمحسوبية.

دولة الموظفين المتخمة بالكسل والروائح العفنة تستغرق مصاريفها ثلاثة أرباع ميزانية الدولة، استهلاك وابتلاع أجور دون عمل، وإذا كان هناك من يعمل وينتج فلن يكون تحت الأضواء، يحيا ويموت وهو في الظل، هو رقم منسي في عوالم الوظيفة العامة بمجتمع المحسوبيات.

في دولة الموظفين الكبرى حقوق الإنسان وكرامته في المعاملة اللائقة بدهاليز الإدارة ليس لهما شأن وأهمية، الكل يأتي ويوقع ويصرف الراتب، ثم يعود للمنزل ليزدري الوجبة الدسمة التي أعدتها الفلبينية، ويتوسد المخدة في القيلولة، وتنتهي كل الحكاية لهذا اليوم، فلا غد ولا مستقبل غير الصور الكربونية لتكرار أحداث الزمن.

كيف يمكن أن تستمر هذه الدولة وتقوم على سواعد أبنائها في العمل المنتج والسلطة تمتلك وسائل الرزق كلها، تملك ذلك الجهاز الوظيفي المريض بصورة مباشرة، وتمتلك حتى قطاع الأعمال الخاصة بصورة غير مباشرة، فالأخير يتقدم ويزدهر حسب «نشاط» المعرفة بالكبار وحسب أصول الشطارة... ماذا يمكنك أن تعمل يا شيخ محمد...؟ طريقك طويل وصعب مملوء بالأشواك السياسية.