• ما فن النـَّميم وجذوره؟ وكيف نما في أقاصي جنوب مصر؟

- النميم فن قولي شفهي، نشأ في القبائل العربية بمدينة أسوان (جنوب مصر)، وليس له علاقة باللهجة النوبية، لأنه فن عربي خالص، وأهل النوبة لا يتحدثون العربية، وتمتزج فيه الفصحى بالعامية الدارجة لتلك القبائل العربية التي جاءت إلى مصر مع فتوحات عمرو بن العاص عام 641 م، وهي: الجعافرة، والعقيليون، وعرب العقيلات، والعبابدة، والأنصار، والبشارية، وهؤلاء يرجع انتماؤهم إلى شبه الجزيرة العربية، حيث يتحدثون الفصحى بطلاقة.

Ad

يتشابه فن النّميم مع الشعر النبطي إلى حد كبير، نظراً للصلة الوثيقة للقبائل العربية بمنطقة الخليج العربي. وعن مسألة نموه، فقد جرى تناقُله جيلاً بعد جيل، لأنه إرث ثقافي عريق، لذا حرصت الأجيال على تناقله بينها والحفاظ عليه.

• هل تغيرت كلمات بعض المربعات الشعرية بمرور الزمن؟

- نعم، فقد تغيَّرت بعض الألفاظ والمرادفات من الجيل القديم لرواد هذا الفن، فقد صار الشباب يستخدمون بعض المصطلحات الحديثة، بحُكم تطور الحياة، فلكل جيل مفرداته الخاصة التي يتفاهم بها، لكن الجيل الحالي محتفظ بالوزن، وهذا هو الأهم.

• هل ثمة عوامل تنذر باندثار هذه الفنون القولية في عصر تطغى فيه الصورة على الكلمة؟

- رغم غزو العولمة الصارخ لوطننا العربي، فإن الفنون الشعبية لم تتأثر، لأن لها جذوراً ضاربة في عمق التاريخ، وهذا الفن، بل ومعظم الفنون القولية، يتناقل عبر الزمن شفاهة، ولا يزال في ذاكرة الأجيال وتحفظه صدورهم، فالرواة يتناقلونه حتى الآن، وأنا لا أخاف عليه من الاندثار، ومع ذلك يجب تدوينه وحفظه للأجيال القادمة، التي من السهل أن تتأثر بموجات التغريب، وهنا مكمن الخوف.

• كشاعر عامية، كيف أفادك الإبحار في تراث الإبداع النوبي؟

- النوبة، تلك المنطقة القابعة في جنوب مصر، بها ثلاثة عناصر سكانية: «الكنوز» في الشمال، ولهم لهجتهم الخاصة، و«الفادجا» في الجنوب، ويتحدثون بلهجتهم المغايرة للكنوز. أما العنصر الذي يتوسطهما جغرافياً، فهو «عرب العقيلات»، وأنا أنتمي لهذا الجزء العربي في الجغرافيا النوبية. وبالطبع، بحُكم أنني باحث، فقد أثر في إبداعي الأدبي، لأنني أكتب بروح العاشق للتراث، فيظهر هذا بطريقة لا شعورية.

• ارتبط التراث النوبي باسم «إدريس علي»، كيف ترى ذلك في ضوء كتابك «عبقري الرواية النوبية»؟

- صديقي إدريس علي من أهم الروائيين في مصر والوطن العربي، وقد مثلت الكتابة له بديلاً عن الجريمة والانحراف، وتشابهت معظم إبداعاته مع كتابات محمد شكري وحنا مينة، خصوصاً أنه وشكري صعدا من قاع المجتمع. وهو كاتب يهتم بقضايا قومه وعشيرته، وهذه هي طبيعة المثقف الواعي الذي يبحث دائماً عن حياة أفضل لمجتمعه وواقع أكثر إنسانية عن الذي نعيشه.

وفي يناير 1999 سلَّمه الرئيس الأسبق حسني مبارك الجائزة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وسط حشد هائل من كُتاب ومثقفي مصر والوطن العربي عن روايته «انفجار جمجمة»، التي حازت أفضل كتاب صدر عام 1998 بمجال الرواية، كما اختيرت نفس الرواية من بين أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين (وفق استبيان اتحاد الكُتاب).

الأديب إدريس علي كائن ملأ حياتنا الثقافية صخباً، ويُعد صفحة من الصفحات المشرقة في تاريخنا الأدبي المعاصر، جذبت إليها القراء والواعين والمفكرين، لذا سيبقى بيننا بما تركه لنا من ميراث أدبي هائل نفاخر به أجيالنا القادمة.

• ما المشروع الأدبي الذي تعكف عليه راهناً، وربما يرى النور عما قريب؟

- فرغت منذ فترة وجيزة من كتاب جديد سلمته للمطبعة، والآن أعكف على تحويل رواية «كرم العنب» للأديب الكبير عبدالوهاب الأسواني (رحمه الله)، إلى شعر النّميم، فقد أعجبتني الرواية، وأردت أن يكون لها بُعد آخر غير البُعد الروائي، وهو البُعد الشعري، والآن وصلت فيها إلى الفصل الرابع، والرواية بها ستون فصلاً، وقد بدأتها بهذا المربع/الدور:

سـتين فصـل في «كرم العنب» نِقراها فيهـا العُمـدة «رشوان» بالفلوس يتباهى وشخصيـّـات كتيـر عبدالوهاب خلاّها تتحرَّك كمـا عينك تكون شـايفاها

الكاتب في سطور:

• شاعر وباحث مصري متخصص في التراث الثقافي غير المادي.

• مؤسس نادي أدباء البادية والنميم بقصر ثقافة كلابشة ـ أسوان.

• عضو لجنة تحكيم مهرجان البادية والنميم.

• له أبحاث منشورة في العديد من المجلات العلمية والدوريات المتخصصة في الأدب الشعبي.

• شارك بأوراق بحثية عن الفنون التراثية في العديد من المؤتمرات والمهرجانات المحلية والعربية والدولية.

• أهم إصداراته: ديوان «حَبابـُه عَشـَرَة»، وكتاب «إدريس علي... عبقري الرواية النوبية». وله تحت الطبع: ديوان «قالت لي بريدك»، وكتاب «فن النـَّميم بين المعنى والتنغيـم»، وديوان «ألف بيت من نعناع الجنينة».