كلَبْتَسْ (kléptēs) في اللغة الإغريقية القديمة تعني لص، وكلبتو (kléptō) تعني يسرق، و«كراسي» تعني القوة والسلطة، وإذا دمجنا الكلمتين معاً فإنهما تشكلان كلمة «كليبتوكراسي» أو الكليبتوقراطية، وتعني سلطة اللصوص وقوة قياديين فاسدين، وإذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب من الشعب وللشعب، فإن الكليبتوقراطية تعني قيادة اللصوص أو سلطة أقلية فاسدة لفئة من الشعب، وتعني أيضاً «نهب أموال الشعب من خزائن الشعب»، فهي أسلوب قيادي استبدادي يكدس أموال الشعب بأيدي قلة من مسؤولين غير شرفاء على حساب الأغلبية.

والكليبتوقراطيون دكتاتوريون بالفطرة، تظهر سلطتهم وكأنها بمنأى عن المساءلة والرقابة، هذا إن كانت هذه الرقابة موجودة، وغياب الرقابة قد يدفع الكليبتوقراطيين لتسخير سلطتهم باستغلال الناس لنهب ثروات بلدانهم والمال العام، فيتعاملون مع خزائن بلدانهم وكأنها أملاك خاصة يغرفون منها وينفقونها كيفما شاؤوا، وكلما زادت ثرواتهم الشخصية ترسخت سلطتهم السياسية، ولا يترددون في تحويلها إلى حساباتهم بالخارج استعدادا للهروب الكبير، إذا ما انكشف أمرهم، خصوصاً إذا ما أفلست بلدانهم ولم يبق في الضرع ما يستحق الرضع، ولا بالخزينة ما يستحق أن يكون «رهينة»، إن لم يكن نهباً وسلباً.

Ad

ويتميز الكليبتوقراطيون بأنهم يديرون ظهورهم إلى كل ما يكتب عنهم من انتقادات، و«يطنشون» ما يقال عنهم بالمجالس العامة، فهم يتصرفون بلامبالاة قاتلة، وكأن ما تتناوله وسائل الإعلام والمجالس العامة حول أعمالهم المشينة وسلوكياتهم المنحرفة لا يعنيهم بشيء لا من قريب ولا من بعيد، وكأنهم بلهاء، يرددون «يا جبل ما يهزك ريح».

هذه السلوكيات المتفقة مع الكليبتوقراطية شائعة في الدول الفقيرة والنامية ذات الاقتصاد الذي تشكل إيراداته مصدر إغراء للنهب والسلب، لأنه يعتمد على تصديره وتوزيع إيراداته على شعوبها، الأمر الذي يساهم في تعاظم الثروة بجيوب «فئة» من المواطنين، فنتيجة لاستنزاف الموارد الطبيعية نجد أن الاستفادة من الإيرادات لا تعم الجميع، كما أن غياب الرقابة يسهم في شيوع الكليبتوقراطية، ليتحول اقتصاد هذه الدول إلى «اقتصاد النهب»، حيث يصبح سهلاً على الكليبتوقراطيين تحويل جزء كبير من الأموال المخصصة للمرافق العامة كبناء المستشفيات والمدارس والطرق والحدائق وغيرها إلى حساباتهم الشخصية فتتأثر مستويات الخدمة وحياة المواطنين سلباً وتتراجع الديموقراطية، هذا إن كان هناك ديموقراطية.

وقد يواصل الكليبتوقراطيون اغتصاب الثروات طالما كانت لديهم القدرة والقوة لقيادة أي مؤسسة، والنتيجة الحتمية لتأثير الكليبتوقراطية أو حكم اللصوص على الأوضاع الداخلية لأي بلد هو بالتأكيد سلبي تبدأ سياسياً ثم تنحدر نحو الحقوق المدنية لتنتقل بعدها إلى الاقتصاد، سواء كان اشتراكياً أو رأسمالياً أو كان اقتصاداً ريعياً، لتكون النهاية زعزعة رفاهية الشعب، سواء تراجعت أو تضخمت مستويات الرواتب أو الإنفاق العام، حينها ستضعف قوى السوق المحلي، وستتأثر قنوات جذب الاستثمار المحلي أولاً ثم الأجنبي، وبعدها التجارة الخارجية، ليعكس الاقتصاد ملامح التراجع والضعف ومن ثم الاضمحلال.

وكمثال، في أوائل عام 2004 أصدرت منظمة الشفافية الدولية الألمانية لمكافحة الفساد قائمة تضمنت أسماء قادة ترعرعوا في دول سيطر عليها الكليبتوقراطيون لفترة من الزمن، ويعتقد أنهم كانوا القادة الأكثر ثراء في عقدين سبقا صدور القائمة، التي أرفق معها أرقام مبالغ بمليارات الدولارات حولت إلى حساباتهم الخارجية، ومن بينهم الرئيس الأندونيسي الأسبق سوهارتو، والرئيس الفلبيني الأسبق فرديناند ماركوس والرئيس الكونغولي الأسبق موبوتو سيسي سيكو، والرئيس اليوغسلافي الأسبق سلوبودان ميلوسوفيتش ورئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات، وغيرهم كثيرون، كانوا زعماء وقادة مؤسسات كبرى، ولهذا يمكنك بسهولة إسقاط هذه التحليلات على أوضاع بلدانهم.