لم تصدق عيناي ما شاهدته بعد ظهر يوم الجمعة وفي اليوم الثالث من معرض الكتاب، فبمجرد دخولي «جناح الكويت» قاصداً دار «ذات السلاسل» وإذ بطابور من الجمهور يمتد لعشرات الأمتار، مراهقات وشباب في مقتبل العمر بين الـ16 والـ20 سنة يقفون في الصف بانتظام ووجوههم تشع بالفرح، زاد من فضولي معرفة ماذا يحدث؟ أكملت طريقي إلى أن وصلت إلى نقطة التجمع ولا أغالي إن قلت أن العدد قد يصل إلى مئات الفتيات والشباب المراهقين.

استوقفت أحد المشاركين في التظاهرة سألته: ماذا يحدث؟ فقال: هذه الجموع تنتظر قدوم الكاتب السعودي أسامة المسلم في روايته «مجرة الرعب» كي يحظوا بالتوقيع وأخذ صورة تذكارية؟ ما علمته في اليوم التالي أن هذا الجمهور الكبير وغير المتوقع دفع بالمسؤولين إلى إلغاء الحضور بعدما جرى تمديد توقيعه وسماعي للنداء من مكبرات الصوت ليخرج بعدها الروائي أسامة المسلم بصوته وصورته معتذراً وواعداً جمهوره بلقاء قريب بعيداً عن معرض الكتاب.

الرواية فيها من الأساطير والخرافات بقدر ما تشتهي، ويبدو أن روايات الرعب هي الأكثر انتشاراً ومبيعاً لدى هذه الفئة من المجتمع، وهذه «الظاهرة الصعبة» لدى البعض علينا الاعتراف بها ومعرفة اتجاهات الجمهور بواقعية واللغة التي يفهمها ويريدها.
Ad


نعم الجمهور «عايز كده»، حكايات الجن والشياطين والخوف والرعب نوع من الكتابات بات يحتل الصدارة في مؤشرات مبيعات الكتب.

هناك جيل لم يولد بشكل طبيعي، يستخدم أدوات ووسائل استحدثها عصر الإنترنت والاتصالات وتوابعها لم نعطها الاهتمام الكافي وما فعلته من تغيرات بالمشهد الثقافي والقراءة، ما يصح القول في هذا الجيل كما تحدث بذلك الزميل خالد الهاجري كونه امتهن الشعر وكتابته قبل الغوص في البيئة وأهوالها «إننا تجاهلنا هذه الشريحة بسبب أنانيتنا، لذلك راحوا يخلقون لهم كيانات وهويات خاصة بهم» وعليه فهذا نتاج حاضنة لا علاقة لنا بها إلا من بعيد.

لم يكن مستغرباً أن تأخذ بعض دور النشر هذه الظاهرة على محمل الجد وتتبنى أسماء روائيين جدد مختصين بالظواهر الحديثة ذات ألوان تمتزج فيها الخيالات المصحوبة بحكايات الرعب والجن والشياطين! قد تكون هذه الروايات أقرب إلى «قصص الجيب» أيام زمان، في ستينيات القرن الماضي، لكنها تكشف في أحد وجوهها عن أن ما يقال عن الاهتمام بقضايا الشباب والمراهقين عبارة عن فقاعات هوائية سرعان ما تهاوت أمام «موجة التغيير بقيادة المنصات الاجتماعية بكل أشكالها وتصنيفاتها».

قصص في أدب الرعب تكتسح عالم النشر في أيامنا هذه وتلك هي سمة العصر الإلكتروني، أما الحديث عن كتب التاريخ والاجتماع والسياسة وغيرها فتراجعت إلى الخطوط الخلفية من حيث المبيع والانتشار، ولم يعد ينافسها سوى مبيعات «الهمبورغر» و«الذرة المحمصة» و«الشاورما» والتي باتت مصاحبة لإقامة معارض الكتب، فهي تتقاسم ميزانيات الأفراد المخصصة لهذه المناسبة، نصف المبلغ للأكل والآخر لروايات الرعب!

أعجبتني فكرة الترغيب لقراءة هذا النوع من الروايات التي تقول «افتح أضواء غرفتك أو أطفئها، اجلس وحيداً أو مع من تحب، اقرأ هذا الكتاب أو بتأن، كل هذا لا يهم الآن من خلال هذا الكتاب سينتابك شعور بالرهبة والخوف وسيجد طريقه إليك لا محالة». هذه هي اللغة التي يُخاطَب بها جيل المراهقين والشباب، لغة تحاكي عقولهم ومخيلتهم وواقعهم، فهل وصلت الرسالة؟