جرى عرف دستوري في الكويت أن يلقي أمير البلاد نطقاً سامياً عند افتتاح كل دور انعقاد لمجلس الأمة.

وقد استهل بعض أمراء الكويت حكمهم بالنطق السامي، في أعقاب أداء اليمين الدستورية، وهو الذي استهل به سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد عهده في جلسة اليمين الدستورية في 20 ديسمبر 2023.

Ad

والنطق السامي، بداية مهمة يبين فيها الحاكم الجديد توجهاته ورؤيته في تولي مسؤولياته لحكم البلاد، وهو نطق لإعلام الناس بذلك، فلا يصلح ــ لا قانوناً ولا وفقاً للتقاليد ــ محلاً للنقاش والرد حتى لا ينطوي على التعريض بسموه وهو بمنأى عن ذلك.

وفي المقابل، فإن الخطاب الأميري يصلح لذلك، وهو ما درج عليه مجلس الأمة منذ العمل بالدستور.

وقد أورد سموه استحقاقات وطنية، تعتبر وبحق أولويات ملحة.

وأولها اختلاط الأدوار وتجاوز الحدود الدستورية للسلطات والمقررة في المواد 50 و51 و52 و98 و115 من الدستور، حيث تتغول السلطة التشريعية على ميدان السلطة التنفيذية والافتئات على اختصاصاتها وتوليها بدلاً منها، بل وخضوع وتسليم، وربما تنازل، من السلطة التنفيذية عن اختصاصها لمصلحة التشريعية، تحت تأثير التهديد والابتزاز السياسي الذي يمارسه الكثير من أعضاء مجلس الأمة تحت «غطاء الرقابة والمساءلة» وهو ما عمدت مجاميع من الأغلبية لتبنيه ودعمه بكل أسف، وأسوأ صوره هو تولي الدور البرامجي والتخطيطي الذي هو من صميم عمل الحكومة بالمواد 20، و98، و123 من الدستور، إذ تم الاستحواذ عليه تحت مسمى «الخارطة التشريعية»، خروجاً على الدستور.

ومن ذلك موضوع الهوية الوطنية التي تعرضت للعديد من التشويه والتغيير القسري، من خلال ملف الجنسية الذي تعرض لسلسلة من العبث السياسي والانتخابي، تارة لكسب الولاءات، فمنحت دون استحقاق! وتارة بتغيير الصفة والوصف خلافاً للدستور والثوابت الوطنية للجنسية، لتكسب سياسي أو انتخابي! وتارة بمنح من لا يستحق ــ دستورياً ــ مكنة الترشيح والانتخاب لتقديرات لا تحقق المصلحة الوطنية. وتارة بالازدواج في الجنسية، وهو المحظور بنص القانون، وهو ما يولد مخاطر عديدة على الوطن! وتارة بالتزوير فيها أو من خلال تغيير الأسماء والبيانات المدنية أو الفردية، وهو ما أثبتته العديد من الأحكام القضائية وتحقيقات لجان الجنسية وغيرها من الجهات، الأمر الذي يهدد الهوية الوطنية بشكل مخيف.

والمسألة الثالثة، هي العفو، حينما يخلط الحابل بالنابل في هذا الملف المهم!

فيأتي مرسوم العفو محملاً بشبهات دستورية، لأنه أخذ مسار العفو العام بدل الخاص، وأسقط الضوابط الدستورية والقانونية! حتى أصبحنا أمام حالات عفو متجاوزة للدستور ويجب وقفها وتصحيحها، فلم ينصب العفو على اعتبارات شخصية لكل محكوم، وحسن سيرة وسلوك، رغم تعدد الأحكام، وأحياناً عدم حضورية الحكم أو قضاء فترة لتنفيذه، وهو مع تعدد الأحكام لا يصح صدوره بمرسوم واحد، بل لا يجوز أن يشمل جرائم أمن الدولة والتي تفتقر للاعتبار الشخصي.

والرابعة هو خروج قانون رد الاعتبار عن النهج الدستوري الصحيح، للمخالفات الدستورية التي اشتملت عليها تعديلات المادتين 245 و246 من قانون الإجراءات، وهي خمسة أنواع، أوردناها بدراستنا المنشورة بالجريدة 14/ 12/ 2023. وهي تخالف 7 مواد دستورية بشكل مباشر، و5 مواد أخرى بشكل جزئي أو غير مباشر.

ويبقى أن ما أورده سمو الأمير في خطابه قد لاقى تجاوباً إيجابياً، باعتباره سيكون بداية لعهد جديد يتم ضبط عمل السلطات وفقاً للحدود الدستورية المقررة في دستور 1962، دون أن تقوم أية سلطة بالتغول أو التمادي في اقتحام نطاق عمل السلطات الأخرى، ودون تنازل أو تهاون من أيّ منها للسلطة الأخرى، وبنموذجنا الكويتي السيئ، تنازل وخضوع السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية، تحت مبرر استخدام الأخيرة للرقابة والمساءلة السياسية، والتي تتم معظم الأحيان، بانحراف مرفوض، يتسم بالابتزاز والتهديد السياسي وهو الذي أوجد حالة تدهور لأمور البلد ومجريات العمل التشريعي والتنفيذي، وهو يستلزم نفضة سياسية دشنها سمو الأمير وينبغي أن تنعكس بإجراءات عملية، وعلى وجه الخصوص حماية الهوية الوطنية من المزورين والمدعين والمزدوجين للجنسية الكويتية، ومن المخالفة الدستورية الصارخة التي تمت بالقانون 44 لسنة 1994 خلافاً للمادتين 82 و180 من الدستور.