ربما يكون الحديث هذه الأيام عن الأوضاع السياسية في البلاد أقرب ما يكون مقدمة لنقاشات متعددة حول الاقتصاد والإدارة، في وقت تستمر معاناة الكويت منذ سنوات أزمات متتالية لا تكاد تنتهي، أفضت إلى تشكيل 23 حكومة، وانتخاب 10 مجالس نيابية بين عامي 2006 و2023، أحدثها أزمة خفيّة على ما يبدو في الاختصاصات والصلاحيات داخل مجلس الوزراء وخارجه.

في المحصلة، تستمر الإدارة الحكومية في نفس خطايا سابقاتها، كتنامي المصروفات العامة لمستويات قياسية، ناهيك عن الانحراف اللافت في فهم طبيعة العديد من المصطلحات كالإصلاح الاقتصادي أو المالي، أو حتى تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، مروراً بالوصول إلى أوضاع غير مألوفة، كالشغور اللافت في الجهاز التنفيذي للدولة، حتى بلغت البلاد مراحل من التدهور تحولت فيها مشاكل صغيرة يمكن معالجتها بقرار إداري كأزمة «دروازة العبدالرزاق»، والحصى في الشوارع، إلى قضايا تشغل بال المؤسسات كمجلس الوزراء دون حل أومعالجة.

خلافات وانفلات

Ad

ولسنا بمعرض الحديث عن خلافات الأجهزة أو «الدواوين» أو تنافس أبناء الأسرة الحاكمة أو من يمثلهم أو يتبعهم، فهذا شأنهم مادامت خلافاتهم تحت مظلة مشروع الدولة لا مشاريع الحكم الخاصة بهم، لذلك فالقلق مستمد من مخاوف تكرار واقع سيئ طالما شهدته الكويت في سنوات سابقة، وتحديداً منذ مطلع الألفية، مروراً بما تزامن مع الأزمة المالية العالمية، ثم «الربيع العربي» وتبعاته، فالأزمات التي نتجت عن العبث بالنظام الانتخابي، والتوترات السياسية التي لحقتها، والتي كانت دائماً ضحيتها مهنية الإدارة العامة وكفاءتها، بل حتى حياديتها.

ولا شك أن التأثير السلبي لخلافات أبناء الأسرة الحاكمة الذين يتولون أهم مناصب الإدارة السيادية في البلاد انعكست انفلاتاً متضاعفاً في المصروفات العامة من ثلاثة مليارات دينار في عام 2001 إلى 26.3 ملياراً للسنة المالية الحالية، علاوة على تعيينات قيادية قاعدتها الأساسية الولاءات والمنافع لا الكفاءة والإنجاز، فضلاً عن تدمير المؤسسات الخدمية والمهنية بالتنفيع والفساد، كما حدث، على سبيل المثال، لحوادث كثيرة في استخدام العلاج بالخارج أو الحيازات الزراعية في تدمير مهنية أجهزة الدولة إلى جانب تخريب المؤسسات الأمنية من خلال صندوقي الجيش وضيافة الداخلية وهي مؤسسات مهمتها الأولى أمن المجتمع لا أن تكون بيئة للحرمنة والتنفيع.

تعاون وثيق

ومع التأكيد على أن استذكار الماضي ليس هدفاً بحد ذاته إنما الغرض منه أن يكون درساً وعبرة تمنع تكرار الإخفاقات وحتى الخطايا فيجب الاعتراف بأن الكويت اليوم بحاجة ماسة إلى تعاون وثيق بين مؤسسة الحكم مع سلطات الإدارة في البلاد، لا سيما التشريعية والتنفيذية بحيث يكون أول علاج للمشكلة هو الاعتراف بوجودها من خلال معالجة إخفاقات السنوات السابقة والعمل على تحويل المسار التنفيذي نحو الإنجاز ومعالجة اختلالات الاقتصاد والمالية العامة وتخفيف مستوى التحدي لمستقبل الكويت للعشرية القادمة على الأقل كسوق العمل والتعليم وخدمات الطاقة ناهيك عن مواجهة الخطاب الشعبوي بمشاريع تضمن الاستدامة.

صلاحيات ومسؤوليات

في الحقيقة، فإن من يتحمل مسؤولية إدارة الدولة بالدرجة الأولى هي الإدارة العامة بشقيها التنفيذي ثم التشريعي، وهذا ما يجعلنا نفترض بأن مجلس الوزراء وكذلك مجلس الأمة يتمتعان بكامل الصلاحيات المنصوص عليها دستورياً، بالتالي تقييمهما وفقاً لهذه الفرضية، إن صحت، وأي اختلال في هذه الصلاحيات يجعل تحديد المسؤولية أمراً أكثر صعوبة، وعليه فالمتابع لبيانات مجلس الوزراء الأسبوعية يرصد أن الجانب الاقتصادي شبه مغيب في مناقشاته وقراراته، على الرغم من وجود وزير مختص بالشؤون الاقتصادية مشرفاً على وزارات المالية والتجارة والنفط والتنمية، ومختلف أوجه الأداء الاقتصادي في البلاد، إذ تغلب على اجتماعاته أن ناقش قضية اقتصادية بصيغ غير حاسمة مثل (تنسيق - متابعة - تكليف - إيجاد والبدائل) ناهيك عن ترك الجهاز التنفيذي يعاني شغور مئات القياديين في أجهزة الدولة لا سيما في قطاعات الاقتصاد والمالية.

وزن التشريع

أما السلطة التشريعية فهي وإن كانت الأقل وزناً في عملية اتخاذ القرار مقارنة بالتنفيذية إلا أنها تتحمل بدرجة ما مسؤولية المقترحات المالية الشعبوية المرهقة للمالية العامة لسنوات قادمة، وربما انخفاض جودة التشريع لبعض القوانين وهذه ضريبة العمل الفردي في العمل السياسي الكويتي الذي يعاني منذ سنوات طويلة عدم جدوى البرامج الانتخابية ومحدودية فرص العمل الجماعي، ناهيك عن انعدام أي فرصة واقعية للسلطة التشريعية مهما كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية في تشكيل السلطة التنفيذية كما يحدث في أي نظام برلماني آخر، ولا حتى تمتلك السلطة التشريعية حق منح الثقة لأي حكومة جديدة من عدمه فور تشكيلها، ولا حتى حق المصادقة على برنامج عمل الحكومة، مما يجعل قيام السلطة التشريعية بعملها دون انحراف عن مقاصد الرقابة والتشريع والانجراف في الشعبوية أمراً فائق الصعوبة.

تطوير لا استبدال

منذ عام 2003 أي السنة التي فصلت فيها ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء مرعلى الكويت 5 رؤساء وزراء شكلوا 25 حكومة و3 منهم أطيح بهم بشكل معين من الحراك الشعبي ولم تشهد هذه السنوات إلا إخفاقات اقتصادية ومالية وخدمية، بالتالي فإن استبدال شيخ بآخر في تولي الوزارة أو رئاستها بات مع التجربة أمراً لا يعني الكثير على الصعيد العملي، فالمطلوب لدولة مثل الكويت تتوفر فيها المقومات الأساسية للتطور كالدستور وفصل السلطات أن تبادر لنظام إدارة جديد يكون اختيار رئيس الحكومة وفق معايير كفاءة لا محاصصة أو جينات، إلى جانب تطوير آلية عمل مجلس الوزراء كمؤسسة ذات سياسات تنفيذية واضحة بعيداً عن صيغ التسويف الاسبوعية فضلاً عن أهمية التعامل مع ملاحظات ومخالفات ديوان المحاسبة وتعيين القياديين ومواجهة المشاريع الشعبوية و»التبذير السياسي» وبيان مخاطرها وليس الخضوع لها او التسامح معها.