«اللهم قد بلغت»، هكذا ردد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، تلك الجملة في خطبة الوداع، ويذكر عباس محمود العقاد في كتابه «عبقرية النبي محمد» أن حياة الرسول كانت حياة «تبليغ وبلاغ» وذلك في عمله وقوله وحركته وسكونه بقوله، صلى الله عليه وسلم، «جلال ربي الرفيع فقد بلغت».

فإن كلام الرسول محمد الذي تذكر أقواله بالأحداث الشريفة والباقية إلى يومنا هذا منذ أكثر من ١٤ قرنا هي «سمة البلاغ» قبل كل سمة أخرى، وأحاديثه عليه أفضل الصلاة والسلام هي محفوظة بين أيدينا إما معاهدات ورسائل كتبت في حينها، وإما خطب وأدعية ووصايا كتبت بعد حينها، وكانت صريحة ودقيقة قدر المستطاع.

يسرد العقاد في كتابه أسلوب النبي محمد في التعليم بالقصص، أسلوبه في توجيه الأمراء والولاة كما جاء في مختار مسلم، حيث قال «كان رسول الله، إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا».
Ad


إن أسلوب النبي في المعاهدات والمواثيق كما جاء في كتاب العقاد بين المهاجرين والأنصار واليهود المهاجرين من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيتهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، فجميع تلك القصص تتفق على سمة الإبلاغ والبلاغ المبين.

وصف العقاد في حديثه عن النبي محمد أنه ذلك الرجل العربي القرشي الذي لم يكن في كلامه ما يجهله السامع، فكان قليل الكلام معرضا عن اللغو، لا يقول إلا الحق وإن قاله في مزاح.

أختم مقالي هذا بجوامع الكلام بكتاب عبقرية النبي محمد بأن الإبلاغ أقوى الإبلاغ في كلام النبي هو اجتماع العلوم الوافية، ومن أمثلة ذلك علم السلوك في الدنيا والدين بقوله: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا»، ومن أمثلة علم السياسة الذي اجتمع كله في قوله «كما تكونوا يول عليكم»، فالمزايا الإنسانية واجبات وأعباء لا متع وأزياء، وعلم الإنسان بالخير والشر يفرض عليه الفرائض التي يبتلى بها، ولا يهنئه بالراحة التي يصبو إليها، وهو محسوب عليه، وكذلك ذكاؤه محسوب عليه.

يقول العقاد: كان محمد فصيح اللغة فصيح اللسان فصيح الأداء، وكان بلسانه وفؤاده من المرسلين، بل قدوة المرسلين.