عالمنا جزء بسيط من مجرة، والمجرة جزء من كون واسع وأبعاد لا يعلم مداها إلا الله سبحانه، وبالرغم من ذلك هذا العالم الصغير الذي نحيا فيه حباه الخالق بنعم كثيرة من أجلها وأجملها نعمة المعرفة والاستكشاف، ومن أمتع تلك المعارف معرفة قصص وحكايات السابقين وطرق استقرارهم وكيفية ممارستهم للحياة، والتعمق في كتب التاريخ والبحث في آثارهم و بقايا أطلالهم واكتشافها ومشاهدتها إذا سنحت الفرصة مشاهدة عينية.
فعندما نقرأ عن حضارة معينة ذلك يكسبنا معرفة عامة لكن حين نشرك حواسنا فكأننا نقرأ عن حضارة الفراعنة ثم نستمع من متخصصين عن تاريخها ونرفق تلك المعارف بالمشاهدة فهنا تترسخ المعلومات المكتسبة بالذاكرة للأبد، طبعاً المشاهدة الحقيقية مثل رؤية الأهرامات والمعابد والآثار المصرية رؤية حقيقية لا من خلال الصور فقط.
وكون السابقين وآثارهم المتباينة متناثرة على هذا الكوكب بين القارات القديمة والجديدة والجزر، حتى في أعماق البحار وتحت السهول وفوق المرتفعات وبين الوديان والهضاب، فلن تخلو أمنا الأرض من بقايا أبنائها سواء كانوا أخياراً أم أشراراً، لذلك وجدت فكرة المتحف.
وللمتحف تعريفات شتى لكن أصحها طبعاً هو ما وضعه (الآيكوم) المجلس الدولي للمتاحف، لكن اختصاراً: هو المبنى الذي تجمع فيه الآثار التاريخية والفنية والممتلكات الثقافية والنفائس النادرة التي تهفو الناس إلى رؤيتها، وللمتحف قيمة كبيرة، وأي أمة في العصر الحديث أدركت أهمية المتاحف فقد قفزت قفزة عظيمة نحو التقدم والوعي والرقي، كون المتاحف متشعبة الآن منها ما هو تقني وآخر فني وكذلك متاحف التاريخ الطبيعي والعلوم الطبيعية ومتحف للطفل والمتاحف التاريخية الآثارية كالمتاحف الوطنية في كل بلد كونه أرشيف الدولة المادي الذي يحتوي على مستخرجات المواقع الأثرية المحلية التي تربط الإنسان بهويته الثقافية القومية.
وتنبثق أهمية المتاحف حالياً من كونها مرآة المجتمعات التي تعكس ماضيها وحاضرها وترسم مستقبلها، وتعد صروحا تعليمية من الدرجة الأولى، يكسب الزائر المعلومات بمتعة بفضل طرق العرض المتنوعة والقريبة إلى نفس الإنسان بعيداً عن جميع الطرق التقليدية في التعليم، وتسهم في تربية الأجيال ثقافياً، وللمتاحف دور مهم في إثراء الجانب المعرفي والحضاري وخلق شبكة من التواصل بين الشعوب.
وعن تلك الأهمية أذكر حديث د.الشرقي الدهمالي نائب رئيس المنظمة العربية للمتاحف بعد حوار دار بيننا عند الانتهاء من دورة متخصصة في هذا المجال: «تعد المتاحف المرجعية التاريخية للدولة والمقتنيات تكون وسيلة للتنشيط الثقافي كالمحاضرات والدورات وكذلك تعد إشعاع المدينة الثقافي والقلب النابض للثقافة والفكر والحياة ويجب أن تكون متجددة على الدوام».