المنطق الوحيد الذي يفهمه الكيان الصهيوني وعصاباته، هو القوة، ولولا تلك القوة التي تدمر 20 آلية من مدرعاته يومياً وتصيب 30 من مرتزقته بين قتيل وجريح لما قبل التفاوض بشأن الهدنة.

والخشية أن يستخدم هذا الكيان الهدنة مناورة سياسية لاستمراره في الغارات الإجرامية على مساكن المدنيين والمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، وهو يسعى لذلك بكل عنجهية لتنفيذ مخططه لمحو غزة من الوجود، وقتل كل شعبها أو تهجيره قسرياً من خلال قوة النار والحديد.

Ad

إن المقاومة المشروعة لأهل فلسطين بشكل عام وأهل غزة بشكل خاص ضد الاحتلال، هي مقاومة مشروعة، ولا يمكن وصفها بالإرهاب كما يحلو لأميركا وبعض الدول الغربية، التي تختل موازينها لأن لديها معايير وموازين مزدوجة، تبرر عدوان سلطة الاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية واقترافه للإبادة الجماعية.

ولا منطق لوقف العدوان الصهيوني المستمر منذ 75 سنة على فلسطين وأهلها، إلا بالمقاومة وحرب التحرير المسلحة، فالقوة هي منطق الصهاينة، ولن يوقفهم ولن يقزّمهم إلا القوة وإذاقتهم ومرتزقتهم ويلاتها ووبالها، وهو ما بدأت تتكشف تأثيراته على الكيان الصهيوني وانكساره من فشله وهزيمته، وعدم قدرته على بلوغ أهدافه الخبيثة، وقبوله بما يسمى «الهدنة المؤقتة» التي ربما يستخدمها ورقة للمناورة السياسية.

إن تغيير استراتيجية المقاومة للتحوّل إلى الهجوم في العمق الصهيوني بعمليات نوعية متعددة ومؤلمة وبأهداف مرسومة ومحددة وبرشاقة أمر تملكه المقاومة، حتى تتغير معادلة المعركة والقوة، ويجب أن يواكب ذلك تحرك لفلسطينيي الضفة والقدس والداخل في أراضي ما قبل 48، ويجب أن يكون هناك تحرك ومساندة بالقوة من العالم العربي والإسلامي في مواجهة الكيان الصهيوني وعصاباته، بدءاً بالسلطة الفلسطينية المتخاذلة، وربما المتآمرة في مآسي القتل والتدمير التي يقترفها الصهاينة، وتعقبها دول المحور المحيطة بالكيان الصهيوني (مصر والأردن وسورية ولبنان)، وغيرها من الدول الأخرى- فالمخطط التالي هو دول الجوار تحقيقاً للحلم الصهيوني التوسعي الفاشي، وكذلك الدولتان اللتان تدّعيان دعمهما للمقاومة (تركيا وإيران).

وإن لم تتحرك في ظل جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتهجير التي يرتكبها الصهاينة الآن والآن تحديداً، فلا قيمة لأي تنديد أو مباحثات أو مفاوضات أو معاهدات، فالصهاينة معتدون، وهذه عقيدتهم ومنهجهم، ولا يعرفون إلا القوة التي تردعهم، وهو ما أثبتته غزة العزة في مقاومتها الباسلة وصمود أهلها.

***أزمة الديموقراطية الكويتية

عند تحضيري للدكتوراه بجامعة Warwick في بريطانيا قبل 40 عاماً، قرأت كتباً كثيرة عن ‏«Crisis of Democracy» مدة أسبوع بعيداً عن بحثي للدكتوراه، ‏وجميعها كانت تركز على ظاهرة مهمة تعانيها الديموقراطية وهي «طغيان الأغلبية البرلمانية»، وقد كنت أعتبر ذلك جزءاً من ترف الديموقراطية عندهم.

‏اليوم، وبعد مشاركتي الفاعلة في العمل السياسي وفي مراحل عديدة من الممارسة الديموقراطية منذ 1981 وحتى اليوم، مع كل الأطراف أستطيع أن أقرر، بكل أريحية، أننا أمام انحراف متكرر، وبإصرار وبمكابرة وضحالة وربما رعونة سياسية، فالغاية لدى البرلمانيين لدينا تبرر الوسيلة، بل ويسعون لشرعيتها بمشاريع قوانين تتدافع لها الأغلبية المنحرفة، خلافاً لنصوص عديدة من الدستور منها على سبيل المثال المواد 20 و91 و98 و108 و115 و140، بما تتضمنه من تجاوز للحدود الدستورية لمجلس الأمة والتغوّل على اختصاص السلطتين التنفيذية والقضائية، وعلى حساب المصلحة العليا للبلد وسيادته، وحتى بالإصرار على تجاوز الحدود المالية واستنزاف مالية الدولة لأغراض هشة انتخابية وبشكل يندى له الجبين.

وأخشى إن صمّ البرلمانيون آذانهم عن سماع ذلك والعدول عن انحراف الأغلبية البرلمانية لدينا بوقت مناسب، ربما تكون عواقبه خسارتنا للديموقراطية، بعد أن أصبحت ممارسات منحرفة خلافاً لمقاصد الآباء المؤسسين.

الآن، أدركت المقصود بـ «مأزق الديموقراطية» أو أزمة الديموقراطية.