من أقوال الإمام علي بن أبي طالب العظيمة، التي لها الكثير من المترادفات في التأمل وأخذ العبرة، فقد قال كرم الله وجهه أيضا «ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار» وقال أيضا «في كل اعتبار استبصار»، فبينما كنت أتأمل ما يحدث في الساحة هذه الأيام استذكرت الكثير من الأحداث التاريخية التي كان من المفترض الاعتبار منها، والتي غيرت وقلبت أنماط حياتنا وتبدلت الكثير من الموازين وأنا أتذكر بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر:

• الغزو على دولتي الحبيبة.

• أحداث الـ11 من سبتمبر.

Ad

• انتشار فيروس كورونا.

• أحداث غزة.

بالتأكيد هذا غيض من فيض على أمور غيرت الكثير في حياتنا، لكنني أستذكر هذه الأمثلة بالذات لأننا لم نعد ولن نعود لما عهدناه قبلها، وأصبحنا نشهد تغييرات جذرية على مستوى الأفراد والمجتمعات والعالم، ليس لدي رسالة اليوم من وراء هذه التأملات لكنها فقط تعبير عن مشاعر مواطنة عاصرت تلك الأحداث التي قلبت الكثير من الموازين، وغيرت مسارات حياتنا بشكل لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نرجع أو نشهد أمورا عهدناها قبل تلك الأحداث، وأنا أتأمل تلك الأحداث وأتساءل: ما العبر التي خرجنا بها من تلك الأزمات؟ وهل غيرت فينا شيئا؟ وهل كانت لنا محفزاً لنكون أفضل؟ يا للأسف أرى أننا في كثير من الأحيان لم نتأمل جيدا ولم نعتبر.

الثاني من أغسطس 1990 قلب حياتنا وأصبحنا نستشعر أن الأمن والأمان ليس أبدياً، وقد نفقده في سويعات ونصحو فجراً مجردين من هويتنا الوطنية بفعل غزو غاشم قد يأتي من أقرب جار، ولم تعد الأمور بعدها كما كانت، وظل الخوف من المجهول هاجساً وفقدنا الأمان، فهل من اعتبار؟

الحادي عشر من سبتمبر2001 أحدث انقلابا في الموازين السياسية والاقتصادية بكل تأكيد، ولم يعد السفر والتنقل بالطائرات- على سبيل المثال- بالسهولة التي كان عليها في السابق، وبدأت سلسلة من الإجراءات والتعقيدات التي لم تكن في السابق، وتم تطبيقها على جهات النقل الأخرى، فما الذي تعلمناه من تلك الأحداث التي غيرت الكثير من الأمور لدرجة أننا أصبحنا نقسم التاريخ الى ما قبل 11 سبتمبر وما بعده.

تفشي فيروس كورونا في 2020 في العالم بأسره جلب معه تغييراً تاريخياً في مجريات حياتنا وأمورنا، فالتطبيقات أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا وازدادت العزلة الاجتماعية وتفاقمت مشاعر الخوف والقلق والتوتر، وفقدنا الشعور بالأمان الصحي إلى حد كبير، وهناك الكثير من الأمور التي لا يزال تأثيرها واضحاً وجلياً على مختلف الصعد، ولكن تبقى الأسئلة الأهم: ماذا استفدنا من تلك الكارثة؟ وماذا تعلمنا؟ وما العبر؟ وهل ما حدث أيقظنا على حقيقة أن هناك أموراً خارجة عن نطاق تحكمنا وليس لنا يد في حدوثها، لكننا بالتأكيد نستطيع الاستفادة من دروس كثيرة تعلمناها خلال تلك المحن؟

باعتقادي أن أحداث غزة 2023، وما حصل ويحصل من إبادة جماعية غيّر وقلب لدينا الكثير من المفاهيم والموازين، ومن المفترض أننا قد اعتبرنا مما يحدث، وأن الكثير من الأقنعة قد سقط، فالمقاطعة- رغم أنها ليست بظاهرة جديدة تاريخيا- تشكل جانباً يبين لنا جليا أن بعض الأحداث مقدر لها أن تأتي في توقيت إلهي لسبب ما نجهله.

انكشفت لنا الكثير من الحقائق واختلفت نظرتنا للأمور واتضح لنا أن الكثير من التضليل الإعلامي كان هدفه الترويج لقوى تنتهز الفرصة للتدمير الشامل لتحقيق مصالحها، فأحداث غزة أصبح لها أبعاد وفيها عبر ودروس لا تحصى، ليست سياسية وتاريخية فقط، ولكن أيضا اجتماعية واقتصادية ونفسية ستبقى آثارها لزمن طويل، ولن نعود إلى ما كنا عليه قبل «طوفان الأقصى» بكل تأكيد.

قد تكون بعض الأمور التي تتغير وتقلب الموازين لصالحنا، وإن كنا ندفع الثمن ولكن في نهاية المطاف لا نملك سوى أن نستفيد من الدروس ونعتبر ونتأمل ونرى من منظور أشمل ونتخذ الحذر.