ها وقد أغمضت عينيك المتعبتين للمرة الأخيرة يا «أبا طارق»، فإننا لن نجدهما بعد أمس تَشخَصان للنظر إلينا متفقدتين أحوالنا مع صوتك الخفيض، وأنت تنازع سكرات الموت متمسكاً بالحياة التي أحببتها وملأتها وشغلت من حولك ناسها.

ها أنت تغادرنا بعد أن نطقت بكلمة «فوق»! قبل يوم من رحيلك، ستتردد في أذني أنا وممرضك الخاص ما حيينا، وكأنك تخبرنا باعتلائك طريق الخلود في الملكوت الأعلى عند مليك مقتدر.

غادرتنا وأنت محافظٌ على شموخك وعلو هامتك حتى وأنت تصارع الداء العضال، محافظٌ على استقبالنا بابتسامتك المعهودة، ودعاباتك الأثيرة، وكأنك تريد أن تخفف عنّا حزننا النازف على دائك الذي نعلم وتعلم كم هو خبيث وعضال، ولكنك ما فتئت تردد عبارة «الحمد لله، اطمأنوا أنا بخير».
Ad


لم تستسلم حتى آخر لحظاتك أيها الفارس، سعياً إلى خدمة الكويت التي أحببتها وأحبتك، فكنت تراجع معنا آخر إصدارات حياتك كتاب «المشروعات السياحية» وأنت على فراش الموت، تصارع الأسقام مثلما صارعت ما مر بك من أحداث وهجمات ظالمة بجلد المؤمنين بصدقهم، والواثقين من نزاهتهم، والأشداء في الدفاع والذود عن كراماتهم.

لا أنسى حين كلّفتنا أنا والأخوين أحمد الربعي، رحمه الله، وعبدالوهاب الهارون، أطال الله عمره، أن نراجع نص استقالتك من كرسي وزير الإعلام بعد أن تناثرت من حولك السهام الظالمة، قائلاً: «راجعوها فلعلها تكون غاضبة كغضبة نفسي وانفعالها ونقّحوها من أي عبارة غليظة، فإنني لا أريد أن أؤذي حتى من آذاني».

كنت كبيراً في مواجهاتك، وفارساً في اختلافاتك، ومقداماً في أفكارك، ومبدعاً بإنجازاتك، وثرياً بكتابة تاريخك الطويل من التميز في جميع المجالات التي عملت بها وترأستها وملأتها ألقاً ولمعاناً، لأنك هكذا كنت عضواً دائماً في نادي المتميزين.

لم يجرفك للغرور تميزك وعمادتك للإعلام الكويتي والخليجي، بل حافظت على توازنك وتواضعك وبساطتك التي عُرِفت بها عبر مسيرتك المتوهجة.

كبيراً كنت في الإعلام والصحافة والسياسة والتجارة والسياحة، وعملاقاً في إنسانيتك الطاغية وحبك لخير الآخرين وإعانة المحتاجين وممولاً للصناديق الخيرية بسخاء وكتمان، وكانت دموع الطفل الساكن في داخلك تسابق أنفاس الغضب التي تنطلق في غالب الأحيان من حماستك بإبداء آرائك، فكم كنا نراك تغالب عبراتك المعتذرة لمن اعتقدت أنك ربما جرحتهم، بل وتبادرهم بالاعتذار.

ستبقى مقاعدك الريادية شاغرة وعصيّة على سواك، وسيبقى ثقل فراقك ضاغطاً على أحبائك أخاً وأباً ورائداً ومعلماً وناصحاً وعميداً للإعلام والإعلاميين، ورمزاً لا تخطئه البصائر والأبصار.

وستبقى شريكة حياتك المرأة والزوجة والأم والأخت الرائعة باسمة «أم طارق» أيقونة الصبر على الشدائد والجلد على ما مر بها من خطوب، ولها وأبنائها وذويك وأصحابك ووطنك الذي تفانيت في محبته، خالص العزاء.

وداعاً يا «أبا طارق» محمد ناصر السنعوسي، وإنا لفراقك لمحزونون، ولترقد بسلام بين يدي الرب الرحيم.

«إنا لله وإنا إليه راجعون»