رغم سعيها الحثيث للحيلولة دون توسّع حرب غزة التي دخلت يومها الـ 38 لتصبح حربا إقليمية مدمّرة، وجهت القوات الأميركية ضربات جديدة لإيران والجماعات التابعة لها في سورية، وصفتها بالـ «مميتة».

وأعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ليل الأحد ـ الاثنين، أن القوات الأميركية نفّذت «ضربات دقيقة» على منشآت في شرق سورية، يستخدمها «الحرس الثوري» الإيراني، وجماعات مرتبطة بطهران.

Ad

وقال أوستن، وفق بيان لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن «الضربات استهدفت منشأة تدريب ومخبأ بالقرب من مدينتَي البوكمال والميادين»، لافتاً إلى أن الضربات «تأتي رداً على الهجمات المستمرة ضد أفراد أميركيين في العراق وسورية» منذ بدء الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس، عقب شنّها هجوما غير مسبوق ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.

وشدد أوستن على أن «الرئيس جو بايدن ليست لديه أولوية أعلى من سلامة الأفراد الأميركيين، وقد وجّه بتحرّك اليوم، لتوضيح أن الولايات المتحدة ستدافع عن نفسها وأفرادها ومصالحها».

في موازاة ذلك، ذكر مسؤول عسكري أميركي أن الغارات الجوية جاءت خلال وجود عناصر الميليشيات بالمقارّ التي قُصفت، مشيرا إلى أن واشنطن بعثت رسائل إلى طهران بأنها ستحمّلها المسؤولية عن تمكينها الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسورية. وأكد أن واشنطن «لن تتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات من أجل حماية أنفسنا في حال الضرورة».

وفي حين نقلت شبكة فوكس نيوز الأميركية عن المسؤول أن «6 أو 7 مسلحين قتلوا في أحد الموقعين»، أفاد «المرصد السوري» بمقتل 8 عناصر موالين لإيران في الضربات الأميركية، بينهم عراقيون وسوري واحد على الأقل. وأضاف «المرصد» المعارض أن عدد القتلى «مرشح للارتفاع لوجود جرحى بعضهم بحالات خطيرة».

رد إيراني

وكشف «المرصد» عن تعرّض «قاعدة حقل كونيكو للغاز التابعة لقوات التحالف الدولي» التي تقودها واشنطن بريف دير الزور الشمالي، لقصف صاروخي مصدره الميليشيات المدعومة من إيران بعد منتصف ليل الأحد - الاثنين، حيث تعرّضت القاعدة للقصف بنحو 15 صاروخاً في أعنف قصف من داخل الأراضي السورية.

وتحدّث المرصد عن مهاجمة طائرات مسيّرة تابعة للميليشيات الإيرانية قاعدة حقل العمر النفطي التي تخضع لسيطرة القوات الأميركية في ريف دير الزور الشرقي، فيما دوّت انفجارات في منطقة قاعدة الشدادي التابعة لـ «التحالف» بريف الحسكة.

وجاءت تلك التطورات بعد ضربة أميركية أولى على مواقع لفصائل مرتبطة بطهران في سورية الأربعاء الماضي، ردا على تعرّض القوات الأميركية لـ 46 هجوما، أسفرت عن جرح 56 جندياً أميركياً بجروح طفيفة.

وفي وقت يرى خبراء أن الضربات الأميركية المميتة تشير إلى احتمال تغيّر قواعد الاشتباك بسورية، قال قائد القوة الجوية بـ «الحرس الثوري» الإيراني، العميد علي حاجي زاده، إنّ بلاده مستعدة لكل الظروف في حال توسعت رقعة حرب غزة.

وزعم أن «الأميركيين بعثوا برسائل لإيران عبر وسطاء منذ بدء الحرب، وكانت تأتي في بعض الأحيان على 3 مراحل في الليلة الواحدة»، نافيا أن تكون الرسائل قد حملت تهديدا لطهران من الانخراط المباشر في القتال، ومؤكدا أن الرسائل كُتبت بـ «لغة التمني والرجاء، لأن إيران ليست في وضع يسمح لأيّ أحد بتهديدها».

وبشأن رد فعل طهران في حال توسعت الحرب لتشمل لبنان و»حزب الله»، أكّد زاده أنّ «الحرب توسعت ولبنان يشارك فيها، لكن قد تتوسّع أكثر، والأوضاع المستقبلية مبهمة، وإيران مستعدة لكل الظروف».

ورأى أنّ حركتَي حماس والجهاد في موقف ميداني جيد، مشيراً إلى أن «المقاومة الفلسطينية أعدت نفسها لحرب طويلة الأمد، وكانت بانتظار بدء التوغّل البري».

وفي رفض ضمني لإعلان إسرائيل عزمها على إنهاء حكم «حماس» وتدميرها بشكل كامل، شدد المسؤول الإيراني على أن «حماس تمثّل فكراً وعقيدةً واسماً لا يمكن القضاء عليه».

في غضون ذلك، جدّد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، اتهام بلده للولايات المتحدة بخوض حرب شاملة ضد غزة، مؤكدا أن «الكيان الإسرائيلي انهار في 7 أكتوبر الماضي، ويعيش على التنفس الاصطناعي الأميركي حاليا».

وذكر، عبر مواقع التواصل، أنه أثناء القمة العربية - الإسلامية الاستثنائية التي عقدت السبت الماضي بالعاصمة السعودية الرياض «قلتُ لنظيري المصري سامح‌ شكري إن اليوم هو يوم اختبارنا، والأمر المتوقع أن تفتح مصر معبر رفح لإرسال المياه والدواء والغذاء والوقود إلى غزة».

قصف وتوقّف

وعلى جبهة غزة، أعلنت حكومة «حماس» خروج كل مستشفيات شمال القطاع عن الخدمة ووفاة 6 أطفال خدّج و27 مريضا في مستشفى الشفاء، الذي تحاصره الدبابات الإسرائيلية منذ عدة أيام، وتضغط لإجلاء الآلاف من داخله، بذريعة اتخاذ أكبر الحركات الفلسطينية المسلحة له مقرّا لقيادتها.

واحتدم قتال عنيف بين الجيش الإسرائيلي وعناصر الفصائل الفلسطينية بمحيط عدة مستشفيات بشمال غزة، في مقدمتها «الشفاء» و«القدس».

وأظهر فيديو متداول نحو 100 جثة متكدسة في ساحة «الشفاء»، فيما حذّر المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية من أن الجثث بدأت في التحلل، بسبب توقّف البرادات وانقطاع الكهرباء.

وفشلت قافلة نظمتها لجنة «الصليب الأحمر» الدولية بهدف إجراء الطواقم الطبية من المشفى الأخير في الوصول إليه، بسبب القتال بمنطقة تل الهوى.

كما تواصلت عمليات القصف الإسرائيلية عبر الجو والبر والبحر لعموم القطاع. وأفادت تقارير بسقوط 20 قتيلا في غارة إسرائيلية على منزل بحي الدرج وسط غزة عاصمة القطاع الذي يحمل الاسم نفسه. كما طالت الغارات مخيم جباليا ورفح وحي الصبرة وخان يونس.

وأمس، ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية على غزة إلى 11180، من بينهم 4609 أطفال و3100 امرأة، في حين بلغ عدد المصابين 28 ألفا و200 شخص، نحو 70 بالمئة منهم من الأطفال والنساء. كما بلغ عدد المفقودين، تحت الانقاض، 3250 فلسطينيا.

وفي الضفة الغربية، قتل فلسطيني في الخليل وسقط جرحى في حملات دهم واعتقال نفذتها سلطات الاحتلال في نابلس وقلقيلية.

خسائر ومعادلة

على الجهة المقابلة، أعلن الجيش الإسرائيلي، مقتل جنديين إضافيين في شمال غزة، ليرتفع عدد القتلى الإجمالي في صفوفه منذ بدء الحرب الغزو البري للقطاع إلى 44 قتيلاً.

وتزامن ذلك مع وصول المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى تل أبيب، لدفع مفاوضات التوصل إلى صفقة بشأن إطلاق «حماس» عددا من الرهائن مقابل إقرار هدنة مؤقتة تمتد من 3 إلى 5 أيام.

وأمس، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أن «حماس» تشترط قبل إخلاء سبيل مخطوفين مدنيين إسرائيليين ومزدوجي الجنسية أن يتم إدخال 7000 شاحنة محملة بالمساعدات والوقود إلى قطاع غزة. وأوضحت أن «حماس» تضع معادلة «إطلاق سراح 35 امرأة مختطفة لديها مقابل 35 سجينة أمنية فلسطينية في السجون الإسرائيلية».

وكذلك هي على استعداد لإخلاء سبيل المخطوفين المدنيين ومن بحوزتهم جنسية أجنبية مقابل إطلاق سراح 140 فلسطينيا تم اعتقالهم في إسرائيل ليس لأسباب تتعلّق بنشاط مسلح.

جبهة لبنان

إلى ذلك، تواصل التصعيد الموسع لليوم الثاني على الحدود بين لبنان وإسرائيل بعد أن أصيب أمس الأول أكثر من 23 إسرائيليا، وقتل واحد على الأقل يعمل بشركة الكهرباء الوطنية، في قصف لحزب الله.

وأعلن حزب الله أنه استهدف عدة مواقع عسكرية إسرائيلية وتم تحقيق إصابات مؤكدة في صفوف الجنود، وردّت إسرائيل بتوسيع القصف الذي شمل عدة قرى حدودية، وأدى الى تدمير عدة منازل، كما أصاب تجمعا لصحافيين في بلدة يارون.

من ناحيته، وجّه نتنياهو تحذيراً لحزب الله، وقال إن «هناك من يعتقد أن بإمكانه توسيع الهجمات ضد قواتنا وضد المدنيين، وهذا ما نعتبره لعباً بالنار».

مطالبات اشتية

وفي رام الله، رفض رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إنشاء مخيمات مؤقتة للنازحين من غزة، كما يطلب الجيش الإسرائيلي من المنظمات الدولية، مؤكدا ضرورة عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم التي شرّدوا منها.

وقال في مستهل جلسة مجلس الوزراء بمقر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة: «في تاريخ فلسطين لا شيء اسمه مؤقت، فالتجربة علّمتنا أن المؤقت دائم».

ودعا اشتية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إنزال المساعدات على غزة، وخاصة الشمال، بالمظلات، كما حصل في تجارب مختلفة بالعالم، وفتح ممرات إغاثة للقطاع المحاصر بشكل كامل.

وأكد أشتية أن مَن يزود إسرائيل بالسلاح شريك في قتل الفلسطينيين، منددا بمحاولة القوات الإسرائيلية تحويل مستشفى الشفاء إلى «ثكنة عسكرية».

وخاطب المسؤول الفلسطيني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يعارض عودة السلطة إلى غزة، ويريد الاحتفاظ بالاحتلال لفترة طويلة، في حال تمكّن من إطاحة «حماس» بالقول: «سياستك ستجلب البلاء عليكم، القطاع جزء من أرض فلسطين التي احتلت عام 1967، ونحن لا نحتاج إذنا من أحد لمساعدة أهلنا هناك».