أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن سلاح الجو الأميركي أغار في شرق سورية أمس الأول على مخزن أسلحة مرتبط بإيران، رداً على الهجمات التي تستهدف قواعد تتواجد فيها قوات أميركية بالعراق وسورية.
وقال أوستن، في بيان، إن «القوات العسكرية الأميركية نفذت ضربة دفاعاً عن النفس ضد منشأة في شرق سورية يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وجماعات تابعة له، لقد نفذت هذه الضربة طائرتان أميركيتان من طراز F15 ضد منشأة لتخزين أسلحة».
وأضاف أن الإجراء يأتي «رداً على سلسلة هجمات استهدفت أفراداً أميركيين في العراق وسورية»، ونسبتها واشنطن إلى قوات إيرانية موجودة في هذين البلدين. وفي بيانه، حذر أوستن مجدداً من أن الولايات المتحدة «على أتم استعداد لاتخاذ إجراءات ضرورية أخرى» لحماية عسكرييها ومنشآتها.
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن غارات أميركية استهدفت مواقع تستخدمها الجماعات الموالية لإيران، بما في ذلك مواقع عسكرية ومستودع أسلحة في مدينة دير الزور، وقتلت «تسعة أشخاص يعملون لمصلحة مجموعات موالية لإيران».
الرد في سورية لا العراق
ويبدو أن واشنطن فضلت مرة جديدة الرد على إيران في سورية، وليس في العراق، حيث تتعرض قواتها كذلك، منذ أسابيع، لهجمات محدودة شبه يومية.
وكانت «الجريدة» ذكرت في عددها أمس الأول، نقلاً عن مصادر إيرانية، أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أوصل إلى طهران «إنذاراً أخيراً» من واشنطن، بضرورة وقف الهجمات أو توقع رد أميركي.
وتعكس الضربة في سورية حرص إدارة الرئيس جو بايدن على تجنب أي تصادم أو تصعيد في العراق، حيث يتمتع وجودها العسكري هناك، على عكس سورية، بغطاء من الحكومة العراقية التي تقودها أحزاب مقربة من طهران.
وتغاضت واشنطن عن إعلان تحالف فصائلي عراقي يطلق على نفسه «المقاومة الإسلامية في العراق» إطلاق ما أسماه مقاومة مسلحة لتحرير البلاد من الوجود الأميركي، وكان رئيس الوزراء العراقي تعهد بملاحقة مطلقي الصواريخ والمسيرات على القواعد الأميركية، بينما أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأحد الماضي زيارة لبغداد، في إطار جولة إقليمية لمتابعة حرب غزة، رغم تهديد قوى سياسية وفصائل بالتحرك ضد الزيارة.
وكشفت وكالة رويترز امس ان قاعدة يستخدمها الأميركيون في أربيل نجت من مجزرة في 26 أكتوبر الماضي عندما اخترقت مسيرة الدفاعات واقتحمت الدور الثاني من الثكنات لكنها لم تنفجر بسبب عطل.
وقالت وكالة رويترز عن سبعة مصادر إن رئيس السوداني ونحو 10 من كبار أعضاء حكومته التقوا مع قادة حوالي 12 ميليشيا في بغداد 23 أكتوبر الماضي، للضغط على هذه الجماعات لوقف هجماتها على القوات الأميركية، لكن النداء لم يلق آذانا صاغية إلى حد كبير، حيث تعهد معظم القادة بمواصلة هجومهم حتى تنهي القوات الإسرائيلية حصارها وقصفها لقطاع غزة.
وقال علي تركي، النائب الشيعي في الائتلاف الحاكم والقائد في جماعة عصائب أهل الحق القوية المدعومة من إيران «لا يمكن لأحد، لا رئيس الوزراء أو أي شخص آخر، أن يقف ضد واجبنا الديني».
وقال عارف الحمامي، وهو نائب شيعي آخر، إن آفاق الدبلوماسية تبدو قاتمة، وأضاف «لا أعتقد أن رئيس الوزراء لديه القدرة على وقف الهجمات ما دامت إسرائيل ترتكب فظائع في غزة بمساعدة أميركية».
اتصالات مباشرة
وفي واشنطن، قال مسؤول أميركي دفاعي كبير إن الغارة الأميركية على سورية رافقتها «اتصالات واضحة جدا عبر قنوات مختلفة»، مضيفا: «في ضوء التوترات المتزايدة الناجمة عن الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس، اتخذنا إجراءات إضافية للتواصل مباشرة مع إيران والجماعات المتحالفة مع إيران في العراق ولبنان وشركائنا الإقليميين».
وأضاف المسؤول أن «هذه الرسالة للقادة الإيرانيين هي: نريد منكم أن تأمروا المجموعات (الموالية لكم) بالتوقف عن مهاجمتنا»، متابعا: «نهدف إلى توضيح أن أعمالنا العسكرية لا تشير إلى تغيير في نهجنا تجاه الصراع بين إسرائيل وحماس، وليس لدينا أي نية لتصعيد الصراع في المنطقة».
وإلى جانب زيارة بلينكن لبغداد، أجرى المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين قبل يومين زيارة للبنان، حيث أفادت المصادر بأنه أوصل رسائل أميركية إلى حزب الله حول الاستمرار في سياسة عدم توسيع حرب غزة.
في الوقت نفسه، وضعت الولايات المتحدة بطاريات باتريوت إضافية في قواعدها بالشرق الأوسط، نتيجة هجمات الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسورية، وفقا للمسؤول الدفاعي الكبير. وأعلن البنتاغون في وقت سابق نشر عدد غير معروف من بطاريات باتريوت من الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، لكنه لم يكشف عن مكان إرسالها على وجه التحديد.
وقال السيناتور الجمهوري توم كوتون، عضو لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ «إنهم يضحكون علينا في طهران». وأضاف «إيران ستواصل استهداف الأمريكيين حتى يتحلى الرئيس بايدن بالجدية في فرض تكاليف باهظة عليها».
وفي جلسة مع أوستن في 31 أكتوبر تساءل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام مرارا عما إذا كان مقتل أفراد من الجيش الأميركي سيؤدي إلى رد مباشر على إيران. واعترض أوستن على السؤال واكتفى بالقول إنه ينبغي محاسبة إيران.
وبالنسبة للبعض، تثير الهجمات الأخيرة على القوات الأميركية ذكريات مؤلمة عن انفجار شاحنة ملغومة في بيروت أدى إلى تدمير ثكنات لمشاة البحرية ومقتل 241 من أفراد الخدمة الأميركية قبل 40 عاما. وتحمل الولايات المتحدة حزب الله المسؤولية عن التفجير الانتحاري رغم أن الجماعة تنفي تورطها.
وكان ديفيد ماداراس جنديا في مشاة البحرية يبلغ من العمر 22 عاما عندما أصابته موجة ارتجاجية من الانفجار الذي وقع عام 1983. وبينما يتذكر أنه كان ينبش في الأنقاض التي دفن بعض أصدقائه تحتها، يرى أوجه تشابه مع العصر الحديث تجعله لا يشعر بارتياح. وقال» «تعرضنا لهجمات صاروخية وهجمات بقذائف الهاون قبل أن نتعرض للقنبلة الكبيرة». وتساءل «هل يعيد التاريخ نفسه؟».
خطر الحوثيين
وتزامنت الضربة مع الكشف عن إسقاط طائرة استطلاع أميركية بدون طيار قبالة سواحل اليمن، وقد تلقت قوات الحوثي هناك منذ فترة طويلة أسلحة من إيران، وقال مسؤول في «البنتاغون» إن الطائرة المسيرة من طراز «إم كيو - 9 ريبر» كانت تعمل في المجال الجوي الدولي وفوق المياه الدولية عندما تم إسقاطها، مبينا أن القيادة الوسطى تحقق في الحادث.
وأفادت مصادر لشبكة فوكس نيوز الأميركية بأن الحوثيين استخدموا صاروخ SA6 في إسقاط المسيرة الأميركية التي تبلغ قيمتها 32 مليون دولار فوق البحر الأحمر، وكان خبراء قللوا من أهمية إعلان الحوثيين الدخول في الحرب، معتبرين أن الخطر الحقيقي هو في حال بدأت الجماعة اليمنية هجمات في البحر على السفن المدنية، وقد يؤدي استهداف المسيرة إلى تغيير التقييم بشأن الخطر من اليمن.
ويأتي إسقاط المسيرة بعد اعلان الحوثيين دخولهم الحرب مع إسرائيل وإطلاقهم عدة مرات صواريخ ومسيرات باتجاهها على طول البحر الأحمر. واعترضت سفينة أميركية قبل أسابيع عدة صواريخ ومسيرات أطلقها الحوثيون، فيما سقطت مقذوفات أخرى في مصر، وتصدى الجيش الإسرائيلي، الذي أعلن نشر سفن في البحر الأحمر، لبعض هذه المقذوفات التي تمكنت من الوصول إلى الأجواء الإسرائيلية.