«اليَوْمَ خَمرٌ وغَداً أمْر»، مثل عربي مشهور كشهرة قائله، كثير التداول، يقال عندما يحدث أمر جلل لرجل قد شُغِل بأمر فيتماسك، ثم يطلق هذا المثل وعداً بأنه سيتصدى لتلك المصيبة عندما ينتهي مما هو فيه، وراء هذا المثل حادثة.

فقد حصل أن طرد الملك حجر الكندي ابنه امرأ القيس، الشاعر الجاهلي، وأقسم بألا يقيم معه، لقوله الشعر والغزل، لأن الملوك كانت تأنف من قرض الشعر، فلحق امرؤ القيس بدَمُّون، وهي أرض في اليمن، وهام على وجهه في أحياء العرب هو ورفاقه، فكان إذا صادفه صيد ذبحه وأكله هو ومن معه، وإذا ما انتهى من الصيد وأكْله، شَرَب الخمر مع رفاقه، حتى أتاه يوما خبر مقتل أبيه على يد بني أسد بن خزيمة وهو غارق في أُنسه، أخبره بذلك الأَعور العجلي، فأنشد قائلا:

Ad

تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عَلَيْنَا دَمُّونْ

دَمُّونُ إنَّا مَعْشَرٌ يَمَانُونْ

ثم أردف قائلا: وإننا لقومنا محبون، ضيّعني صغيرا، وحمّلني دمه كبيرا، اليوم خَفْضٌ ودِعَة، وغدا جدّ واجتهاد، يشغلنا اليوم خمر، وغدا يشغلنا أمر، أي الحرب، لا صحو اليوم، ولا شرب غدا، «اليوم خَمْرٌ وغَداً أمر»، فذهب قوله هذا مثلاً.

الطريف أن الملك حجر الكندي قد أوصى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، بأن يُعطى المُلك من بعده لمن يأخذ خبر موته دون أن يجزع، ولما سمع أبناؤه خبر قتل أبيهم جزعوا جميعاً إلا امرؤ القيس، فقد أكمل ما هو عليه، ولما فاق الى نفسه أخذ على نفسه عهداً بألا يقرب مما كان عليه حتى يثأر لأبيه.

كان امرؤ القيس من الشعراء الجاهليّين الأفذاذ، فهو أحد شعراء المعلّقات المشهورة، فذاع صيته وانتشر، حتى أنه أطلق عليه العديد من الألقاب منها «ذو القروح، وحندج، والملك الضليل»، ومن أشهر ما قال معلقته التي تبدأ بـ:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ

بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

وهناك قول قريب من مثلنا وهو: «لقد راحت السكرة وجاءت الفكرة»، أي لقد ذهب زمن المتعة وساعات الرخاء، وجاء وقت الجد والحزم، ولم يعد هناك مكان بيننا لمن خدعنا وضللنا.

فأين هم الذكور أصحاب الصولات والجولات الإعلامية، حارقو البيارق الشجعان؟ هل سيكتفون كعادتهم بالشجب والتظاهرات والمزايدات؟ ثم يُكملون سكراتهم وعبثهم، وهم في فنادقهم منعّمون، أو في بيوتهم خانعون؟