عذراً زهور الشام وألف عذر، لأني لا أملك لكم عوناً ولا دفعاً ولا رفعاً غير القلم والدعاء حتى دموعي على ضحاياكم شاركتني وزاحمتني فيه الثكالى من النساء، عذراً زهور الشام وألف عذر فإن مدرستي هنا جبلتنا على الشجب والاستنكار والخذلان، فألفنا الدعة، فتَمَثّل لنا الجهاد إما تهلكة أو معصية وغفلنا عن قول الله، تعالى: «انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ».

عذراً زهور الشام عدنا لا نملك صوتاً حتى صياح الديكة منعوها عن الأذان، سئمت الكتابة والخطابة وسئمت العشير، وتمنيت لو أني تربيت بعيداً على قدسية الجهاد ألبي نداء النفير، عذراً لأنني رأيتني في عذر ولن أغفر لي أي عذر، فالناصر صلاح الدين والمظفر سيف الدين قطز وأسد الصحراء المجاهد عمرالمختار لم يلتمس أي منهم– عن تلبية الجهاد- أي عذر.

ها قد جاءت الولايات المتحدة الأميركية بخيلائها وأساطيلها تحمل المدمرات والبوارج ومعها أذنابها من الغرب بحشودهم الجرارة– إذ الكفر ملة واحدة- لنصرة عدو الله وعدوكم، وأنتم المحاصرون المرابطون الصامدون الذين قال الله– عز وجل- فيهم: «الذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ».

Ad

إن صمودكم العظيم وهاتيك المثابرة والعزم في طوفانكم الأكبر أمام هذه الجحافل الغادرة معجزة بكل المقاييس ستُحفر في ذاكرة التاريخ رغم بساطة وحداثة سلاحكم وطول حصاركم، وقد حمل في طياته رسالة لهؤلاء الصامتين المتخاذلين الذين أصابهم الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت، لقد أخذتم بالأسباب ولبيتم نداء الحق لتحرير الأقصى، وجاهدتم حق الجهاد وأذنتم بالطوفان، فكشفتم الهالة الزائفة الفارغة لعدوكم، فلم يجرؤ على مجابهتكم أرضاً، فهرع يقصف البيوت الآمنة والمشافي ودور العبادة بخسّة وبربرية مستهدفاً الأطفال والنساء والشيوخ، وهو يجهل أنه كلما استُشهد منكم رجل أنجبت حرارئكم من الأمهات الفضليات الصامدات اللائي أرضعنكن العزة والكرامة والصمود رجلاً يعدل ألف رجل.

طوبى لكم أيها الزهور العطرة، فأنتم بإذن الله الصفوة المختارة التي ستحرر الأقصى بسيوفها البتارة التي حدَّث عنها النبي، صلى الله عليه وسلم، في حديثه الشريف: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ».

أيها المظلوم لا تهن واهنأ بالاً، ونم قرير العين، فإن عين الله يقظى لا تنام، وأنت أيها المدجج المتغطرس بالعدة والعتاد إن كنت في شك في نهايتك مهزوماً مدحوراً، فسل فرعون عن غرقه وقارون عن خسفه.

«وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ».