قتلُ امرئٍ في غابةٍ
جريمةٌ لا تُغْتفَرْ
وقتلُ شعبٍ آمنٍ
مسألةٌ فيها نظرْ
ذلكم هو منطق المستعمر المستبدّ مذ كان الاستعمار في أرضنا، وهو هو لم يتغير منه شيءٌ حتى يوم الناس هذا، منطق المكابرة والغطرسة، بل منطق العربدة والطغيان، والكيل بغير مكيال. منطق يتألم ويتوجع لأيِّ محاولة للدفاع عن النفس وفك الحصار والمطالبة بأدنى الحقوق المشروعة لشعب احتلت أرضه، وانتهكت مقدساته، وسفكت دماؤه... ويعمى بل يتعامى عن تدمير شامل يدكُّ فيها هذا العدو الماكر أرض غزة الطاهرة فيزرع الموت والدمار أينما حل، وينشر الأشلاء والدماء أينما وقع.
ويأتي تدمير مشفى المعمداني في غزة أمس ليبيِّن للعالم أجمع أن هؤلاء القتلة لا حدَّ لجرائمهم، ولا حرمة لأحدٍ عندهم... طفلا كان أم شيخا! صغيرا كان أم كبيرا! وامرأة كان أم رجلا! ومدنيا كان أم جنديا! ومريضا كان أم جريحا! أو ضعيفا أو كسيرا أو خائفا أو هاربا من الموت الزؤام.
يأتي هذا العمل الشنيع الآثم ليؤكد للعالم أجمع أن أحفاد القردة والخنازير لم يزدادوا إلا إمعانا في القتل والتدمير.. والفساد والإفساد.. والكذب والتضليل! مئات الأطفال تخطفتهم يد الغدر الآثمة من مراقدهم فلم يبق منهم إلا أشلاء ودماء.. أوصال مقطعة.. ورؤوس مفجرة.. وأنّة أمٍّ ثكلى.. وأبٍ مفجوع.. وأختٍ مكلومة.. وأخٍ مذهول.
ثم ماذا؟ ثم تسمع من بين هذه الأنَّات وتلك الفجيعة صوت ناعق يطالب بعدم استثارة المحتلين والمستوطنين الغاصبين! وآخر يقول من حق إسرائيل أن تدافع عن مواطنيها! فأي حق هذا وأي دفاع؟ أهو حق المغتصب أو المحتل؟ ومتى كان للسارق أو المجرم حق؟ أوَيسرقني ويحتل أرضي ويشرِّد شعبي وينتهك أقدس حرماتي ثم يكون له بعد كل ذلك حق؟!
لو كلُّ كلبٍ عوَى ألقمتَه حجراً
لأصبحَ الصخرُ مثقالٌ بدينارِ
يا عميان العالم أما آن لكم أن تبصروا! أيَّ ضمير تحملون؟ وبأيِّ وجدان تدينون؟ وبأيِّ كيل تكيلون؟
ألا تبَّت أياديكم! وأذاقكم الله كأس البلاء التي تتعامَون عن رؤيتها.. يتجرَّعُها إخواننا صباح مساء لعلكم تستبصرون!
وأما أنت يا غزَّة، ففيكِ المجدُ العِزَّة، تقفين وحدك صامدةً أمام كل قوى الشر والعدوان... فكل الولايات المتحدة الأميركية اليوم في الكيان الصهيوني، الرئيس، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، وقائد الأركان، وأكثر من ألفي مقاتل من قوات النخبة الأميركية، وأكبر حاملتي طائرات عملاقة في العالم بطائراتها، وغيرها وغيرها كثير... حرب عالمية عظمى على غزة وحدها!
يكفيك هذا عزةً وسؤدداً، والله معك، ومن كان الله معه فلن يضيره شيء، ولئن تخلَّى عنك أقرب الأقرباء، وأكذب الأدعياء، وأضلُّ الفرقاء! إنَّ حسبك الله، نعم المولى ونعم النصير، وما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه الليلة بالبارحة، «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيمانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ».
*أستاذ في كلية القانون الكويتية العالمية