كان الرئيس الأميركي بايدن في خطابه أمس الأول متطرفاً صهيونياً أكثر من الصهاينة المتشددين، لم يكن هناك أي فرق بين محتوى خطابه وخطاب نتنياهو بعد عملية «حماس» الأخيرة، وصوّر أحد المعلّقين السياسيين في قناة الجزيرة أن الرئيس الأميركي تعرّض لعملية غسيل مخ من نتنياهو، وهذا خطأ، فليس بالأمر الجديد أن يُظهر الرئيس الأميركي تأييده وميله القديم نحو إسرائيل، وأيضاً لم يخرج هذا الرئيس عن سياسة التأييد والدعم المطلَقين لإسرائيل من جميع الرؤساء الأميركيين منذ عام 67 ـ أي بعد حرب الأيام الستة ـ وحتى اليوم وإلى غدٍ غير معلوم.

الرئيس بايدن هو وشأنه حين يصف العملية الحماسية بأنها «... شرّ محض، شرور لا تعرف التفرقة، عمل فظيع، مريض، قاس...»، ليمضِ الرئيس في خطابه مُظهراً دعم الولايات المتحدة غير المحدود لإسرائيل في وضعها الآن، ويؤكد «حقها» المطلق في الثأر لنفسها، إلّا أنه لم يقل كلمة واحدة عن مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته مع أطول احتلال قمعي في التاريخ الحديث.

Ad

الكاتب بيتر بيكر في جريدة نيويورك تايمز الأميركية ـ وهي جريدة ثابتة في دعمها لإسرائيل، حالها حال معظم وسائل الإعلام الكبرى الغربية والأميركية ـ أظهر استغرابه من أن الرئيس لم يدعُ - كما يفترض - إلى ضبط النفس والتعقل في الرد الإسرائيلي، بل أعطى له كل تبرير انتقامي.

لم يفرّق الرئيس بايدن بين حركة حماس والشعب الفلسطيني بصفة عامة وأهل غزة بوجه خاص الذين يتجرعون مرارة الحصار والاضطهاد الإسرائيلي لعدة عقود، وكأنه ليس من المسلّمات التاريخية أن الاضطهاد والظلم لا يخلقان غير التطرف والتشدد في ردود الفعل من المقهورين. تم إقصاء ملايين الفلسطينيين تماماً من خطاب الرئيس، والعبارات التي وردت فيه عن هذا الشعب المضطهد كانت محددة بأن «حماس» تستعمل فلسطينيي غزة دروعاً بشرية!

هناك سباق في إظهار قوة الدعم الكامل لإسرائيل بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، فالانتخابات الرئاسية قريبة، وإذا كان أسوأ تجليات الإدارة الجمهورية مع ترامب هو اعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى هناك، فإنّ الأسوأ من ذلك الاعتراف كان خطاب الرئيس الديموقراطي، وهو يبرر عملية سحق أطفال ونساء غزة ودفنهم تحت الأنقاض.