أول العمود:

في ظرف أيام قليلة أخفقت جامعة الكويت في اختبار الاستقلالية، الأول في ملف الشُعب المشتركة، والثاني في إلغاء ندوة عامة.

Ad

***حديث يتكرر، ليس من إخواننا الخليجيين فقط، بل يظهر أيضاً من مجموعات بيننا هنا ملخصه: ماذا استفدتم من الديموقراطية وشوارعكم معطوبة؟!

وهي مقولة تشبه من يحاول خلط الزيت بالماء، إذ تنبع من عدم فهم علاقة سياسية بدأت بين حاكم وشعبه منذ القرن السابع عشر ولا تزال حية إلى الآن رغم المنغصات.

فلصق عملية تأخر البناء والتنمية لما يعتقده البعض أن سببه الديموقراطية والحريات مقاربة غير متماسكة، فالبناء منوط بالإدارة العامة للبلاد- وهي مشكلة حقيقية في الكويت لا ننكرها- لكنها ليست ذات صلة بشكل الحكم الدستوري الذي أسس لمبادئ ديموقراطية وحريات عامة، ولا يمكن بعد قرون من الممارسات الديموقراطية التي تسود العالم، وتأثرت بها دول مختلفة في العالم الثالث ومنها الكويت التي تملك تاريخ نضال طويل، وأرشيف أحداث عاصف ضمن صراع سياسي واجتماعي محلي، نقول لا يمكن أن يأتي اليوم من يربط هذا التاريخ العريض من الأحداث بتأخر تنفيذ ميترو أو بناء محطات كهرباء وإطلاق صواريخ للقمر، فلا علاقة هنا بين المسألتين.

ديموقراطية الكويت النسبية أعطت للشعب حرية تعبير وصحافة مميزة وشعوراً راسخاً بحق المشاركة في الحكم، وهناك مجتمع مدني ازدهر في بداية القرن الماضي، ونتج عنه حراك اقتصادي وتعليمي وثقافي مُبكر تُوج بمجالس شورى وتشريع أعوام 1921 و1938 وانتخاب مجالس مهنية في الخمسينيات ثم العمل بدستور 1962 الذي رسم مهام السلطات الثلاث.

الكويت متأخرة تنموياً هذا صحيح، لكن كل كويتي يمتلك القدرة على الحديث وتشخيص العلل وتحديد أسماء المعطلين لهذا التأخر الذين جرت محاسبة كثير منهم بالقانون وأودع بعضهم السجن، وهو يستطيع محاسبة السلطة التنفيذية من خلال نوابه في البرلمان، ويستطيع الكتابة والتعبير عما يريده وبدون تحفظ، ففي الكويت نستطيع ان نُسمي الأشياء بمسمياتها.

أما شوارعنا وخدماتنا وجهودنا في التنمية فهي منوطة بجهاز إداري مسؤولة عنه الحكومات المتعاقبة وهي تثير حنق الكويتيين... نعم، لكن في المقابل هناك من يقول إن الشعب الكويتي لم يستفد من الأجواء الديموقراطية!

هناك حقيقة سياسية يجب على إخواننا في الخليج استيعابها، وهي أن الكويت بلد صغير نما في وسط جغرافي صعب جداً وغير مشجع بتاتاً على الحريات، واستطاعت هذه الدولة وإلى اليوم أن تستمر في نظام تشاركي يستحق التقدير لا التقليد، لأن تجربتنا ليست مثالية لكنها تجربة تتطلب البناء عليها، فالحرية هي طريق العالم، طريق البشر الحتمي.