صادق البرلمان الأرميني، أمس، على نظام روما الأساسي الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، مما يمهّد الطريق أمام يريفان للانضمام الى هذه المحكمة، وهي خطوة أثارت حفيظة حليفتها التقليدية موسكو، وذلك تزامناً مع وصول وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، مع تعهّد باريس بزيادة الروابط العسكرية مع أرمينيا التي زادت مخاوفها على سيادتها ووحدة أراضيها، بعد سقوط جيب ناغورنو كاراباخ بأيدي القوات الأذربيجانية. ويأتي هذا التزامن الرمزي في وقت تعرّض النفوذ الفرنسي لخسائر كبيرة في إفريقيا معظمها على يد قوى محلية متحالفة مع موسكو.

وبنتيجة مداولات سريعة، صادق البرلمان الأرميني على نظام روما بغالبية 60 صوتا مقابل 22. وقبيل التصويت، أكد رئيس لجنة الشؤون القانونية في البرلمان يغيشه كيراكوسيان: «نقوم بتوفير ضمانات إضافية لأرمينيا» في مواجهة أي تهديد محتمل لسلامة أراضيها من أذربيجان.

وأشار الى أن المصادقة على نظام روما ستعني أن أي اجتياح مقبل لأراضي البلاد «سيكون (مسألة) ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية»، وهو ما سيكون له «تأثير رادع» لأي طرف معادٍ.

Ad

وتشهد العلاقة بين يريفان وموسكو توتّرا في الآونة الأخيرة، إذ تتهم أرمينيا روسيا التي تنشر قوات لحفظ السلام في ناغورنو كاراباخ، بالوقوف موقف المتفرج على التصعيد الأذربيجاني على مدى أشهر، ثم التخلي عنها في مواجهة أذربيجان وعمليتها العسكرية التي انتهت باستسلام الانفصاليين الأرمن وإعلانهم حلّ جمهورية آرتساخ المعلنة من طرف واحد، وفرار غالبية السكان الأرمن من الإقليم خشية تعرّضهم لعمليات انتقامية من باكو بعد نزاع على الإقليم امتد عقودا.

وتعليقاً على قرار البرلمان الأرميني، اعتبر «الكرملين»، أمس، أنه لا بديل لأرمينيا عن التحالف الأمني الإقليمي بقيادة روسيا، في إشارة الى «منظمة معاهدة الأمن الجماعي».

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف: «أعتقد أن الغالبية في أرمينيا تدرك أنه لا بديل على الإطلاق لأدوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي»، في إشارة الى تحالف تقوده موسكو ويضم عددا من الجمهوريات السوفياتية السابقة. وأضاف: «ليس لدى الطرف الأرميني ما هو أفضل من هذه الآليات، نحن على ثقة بذلك».

وتابع بيسكوف: «لا نعتقد بأن مصادقة أرمينيا على نظام روما الأساسي أمر صائب من حيث العلاقات الثنائية، ما زلنا نعتقد بأن هذا القرار خاطئ».

وكان «الكرملين» قد اعتبر الأسبوع الماضي أن عزم أرمينيا على المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية «معادٍ جدًا» لروسيا، لاسيما أن هذه الهيئة القضائية التي تتخذ من لاهاي مقرا، أصدرت في مارس مذكرة توقيف بحق الرئيس فلاديمير بوتين بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين خلال الحرب التي تشنّها موسكو ضد كييف.

دعم عسكري وسياسي

الى ذلك، وبعد أيام من إعلان وسائل فرنسية أن باريس تنوي إيفاد ملحق عسكري الى يريفان، وصلت الوزيرة كولونا، أمس، الى العاصمة الأرمينية لتأكيد دعم بلادها لسيادة ووحدة أراضيها، مع تزايد الحديث عن إمكانية أن تقوم أذربيجان بهجوم بري تحتل خلاله شريطا من الأراضي الأرمينية يربطها بجيب نخجوان، الذي يملك حدودا مع حليفتها التاريخية تركيا.

وفي الأيام الأخيرة، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزيرة خارجيته مراراً عن قلقهما من هجوم عسكري قد تشنّه باكو على يريفان. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة فرانس برس، طالباً عدم نشر اسمه إن «أجزاء صغيرة من الأراضي الأرمنية كانت بالفعل هدفاً لتوغلات عسكرية أذربيجانية في الأشهر الأخيرة». وأضاف «هذا أمر واقع»، في إشارة إلى الاشتباكات التي وقعت في سبتمبر 2022 وخلّفت نحو 300 قتيل ونقلت خلالها أذربيجان خط الحدود بين البلدين بمقدار 7 إلى 9 كيلومترات على حساب أرمينيا. ويومها دفعت فرنسا من أجل إنشاء بعثة مراقبة تابعة للاتحاد الأوروبي في دجرموك (أرمينيا).

وسبق لكولونا أن زارت طاقم هذه البعثة في نهاية أبريل، وبحسب المصدر الدبلوماسي فإنّه «سيكون من السذاجة للغاية الاعتقاد بأنّه لا يوجد خطر» لانتهاك سلامة أراضي أرمينيا من جانب أذربيجان. وأضاف: «أنا لا أقول إنّ ذلك سيحدث حتماً (..) لكنّ مهمتنا هي منع حدوث ذلك». وتابع: «سنطالب بزيادة حجم هذه البعثة».

كذلك، فإنّ باريس تؤيّد إلى حدّ ما فكرة فرض عقوبات على أذربيجان، لكنّها تصطدم بـ «دول معيّنة متردّدة للغاية في سلوك هذا الطريق»، وفقاً للمصدر الدبلوماسي.

وقال وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان ليكورنو، يوم السبت إن باريس مستعدة لتقديم مساعدة عسكرية وفقا لاحتياجات يريفان.

وإضافة إلى مسألة وحدة أراضي أرمينيا، ستؤكد كولونا خلال لقاءاتها مع المسؤولين الأرمن، وفي مقدّمهم رئيس الوزراء نيكول باشينيان، جاهزية فرنسا لتعزيز مساعداتها الطارئة والإنسانية لأرمينيا لاستقبال اللاجئين. وفي الأسبوع الماضي، زادت باريس مساعداتها المقدّمة هذا العام إلى يريفان إلى 12.5 مليون يورو.

وأشارت تقارير إعلامية فرنسية الى أن باريس تنوي أسوة بإيران فتح قنصلية في محافظة سيونيك الأرمينية التي تشكّل ممرا بين أذربيجان وجمهورية نخجوان الذاتية الحكم.

وتظاهر آلاف الأرمن، الأحد، في بروكسل، متّهمين الاتّحاد الأوروبي بالتغاضي عن مأساة أرمن كاراباخ مقابل الغاز الأذربيجاني الذي يشتريه الاتّحاد الأوروبي للتعويض جزئياً عن خسارته الغاز الروسي.

القاعدة الروسية وإيران

وفيما يبدو أن فرنسا تحاول أن تقدّم نفسها بديلا عسكريا لموسكو في أرمينيا، طرحت صحيفة موسكوفسكي كومسوموليتس الروسية تساؤلات عن مصير القاعدة العسكرية الروسية في أرمينيا (102).

ونقلت الصحيفة عن المحلل العسكري يوري ليامين الروسي اقتناعه بأن مغادرة القوة الروسية سيكون له في المقام الأول تأثير سلبي على أرمينيا نفسها.

وأشار ليامين خصوصا الى أن محاولة باشينيان حشد دعم الولايات المتحدة وفرنسا، يثير حذر إيران، التي يمكن، من حيث المبدأ، أن تعمل كحليف طبيعي لأرمينيا، لأنها تعارض بشكل قاطع تغيير وضع الحدود القائم.

وأمس، أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن خلف خلييف (مساعد رئيس أذربيجان إلهام علييف للشؤون الخاصة) وصل الى طهران لعقد مباحثات مع كبار المسؤولين الإيرانيين. وكان مسؤول ايراني نيابي قد صرح في الأيام الاخيرة بأن أذربيجان وافقت مبدئيا على أن يمر الممر الذي يربطها مع نخجوان بالأراضي الإيرانية، وهو ما يجنب دول المنطقة سيناريو حرب قد يتسبب بها سعي باكو لاحتلال أراضٍ أرمينية. لكن يبقى السؤال أن الممر المعروف باسم ممر زنغزور الذي تقترحه إيران سيبقى خاضعا لسيادة إيرانية، وسيكون عبارة عن طريق تجاري، في حين تطمح باكو الى أن ترتبط مع تركيا بطريق يكون لديها السيادة عليه، مما يعطيها إضافة استراتيجية مهمة.

عاصمة الأشباح

ميدانيا، قال مسؤول في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أمس، إن عاصمة ناغورنو كاراباخ لم يبق بها سوى المئات فقط من السكان، من بينهم المرضى وذوو الإعاقة وكبار السن، واصفا الشوارع الخالية بأنها «سريالية».

وقال رئيس فريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ماركو سوتشي، عبر رابط فيديو من عاصمة كاراباغ المعروفة باسم ستيباناكيرت في أرمينيا وخانكندي في أذربيجان «المدينة الآن مهجورة تماما». وأضاف «المستشفيات لا تعمل، الأطقم الطبية غادرت، كما غادر مدير المشرحة، لذا فإن المشهد سريالي تماما».