من ينكر أن جمهورية الصين الشعبية باتت معادلة صعبة ذات رقم لا يقبل القسمة على اثنين بتاتا أينما كانت وحلت، فلا تثريب عليّ أو على غيري حين نشير إليها بـ(التنين) ذاك المخلوق العظيم البنية الذي لا يقبل أن يروض البتة، كما أن الكثيرين يجهلون حقائق عدة فيما يتصل بالتنين الصيني، حيث كانت وما زالت تنفرد بعدد كبير من الحصريات في عدة مجالات تقنية ذات طابع فني بحت، وصاحبة ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم بواقع إجمالي للإنتاج القومي يساوي 17.73 ترليون دولار أميركي في عام 2021، وهي أيضا حاضنة للعلم والعلماء والباحثين العلميين، حيث سجلت 4.21 ملايين ملف براءات اختراع في عام 2022.

وعليه لا نستغرب ولن نستغرب بتاتا أي أمر أو إنجاز يأتي علينا من الشرق الأقصى، حيث آمنت الدولة بالعلم والعلماء، وأنزلتهم منازلهم الطبيعية، عموما ولنعرف مدى التطور الذي وصلت إليه الصين فقد جذبني أمر مر علي على هيئة خبر صحافي في إحدى الصحف العالمية فحواه أن الصين بدأت بدعم مواطنيها ممن يشرعون في تربية (الذباب).

Ad

لم يكن الخبر بالنسبة إلي أمراً صادماً أياً كان مصدره، لأنني وبطبيعة عملي أعلم فحوى الموضوع، وأعلم جيداً خبايا في علم الحشرات قد تخفى عن غيري، لكن ردة الفعل لدى العامة كانت كفيلة بأن تجعلني أسلط الضوء في هذا المقال على الموضوع بصورة أكبر.

بات من المعلوم أن عددا كبير جدا من الحشرات، وتحديدا يرقاتها وفي مرحلة ما قبل البلوغ، تقتات على الكتلة الحيوية والمواد العضوية الرطبة كالفضلات والنفايات المنزلية، والمهدر من الطعام وخلافه، وبشكل أكثر دقة أصبح البحث العلمي في هذا المجال يركز على الجراد والسوس والجدجد.

لكن الأبحاث في المجالات كافة وبالأخص فيما يتصل بإدارة النفايات لا تضاهي تلك المتعلقة بذبابة الجندي الأسود Black Soldier Fly ولا غزارة الدراسات المنصبة على هذا النوع تحديدا من الحشرات، ولهذا الأمر من القرائن والأسباب الشيء الكثير لعل أهمها أن هذا النوع من الذباب غير ناقل للأمراض والعدوى، وله كفاءة عالية في التخلص من النفايات العضوية، ويتمتع بدورة حياة قصيرة الأمد تصل الى الأسبوعين تقريبا فقط لا غير!!

ولهذا بدأ العلم بدراسة كيفية التعامل مع هذه الحشرة بشكل أكثر جدية على مدار العقود الزمنية المنصرمة لنعرف اليوم بأنه يمكن لنا أن ننتج الأصباغ (الطلاءات) والوقود الحيوي والسماد وأمورا أخرى من جراء التعامل مع الكتلة الحيوية المشكلة من هذه الحشرة في مراحل البلوغ الخاصة بدورة حياتها، ناهيك عن كفاءة يرقاتها في التخلص من النفايات العضوية بالأخص المهدر من الطعام دون أي أضرار مصاحبة.

وعلى ضوء الكم الهائل من الناتج العلمي المتوافر عبر السنين، بدأت العديد من الشركات حول العالم في كل من الولايات المتحدة، وأيرلندا، وجنوب إفريقيا، وهولندا ودول أخرى تحول تلك التجارب إلى واقع تجاري لاستزراع هذا النوع من الحشرات والتعامل معه، وهنا بدأت الصين تحفز مواطنيها ان تتعامل مع نفاياتها باستخدام هذا الذباب الذي وصل الى كفاءة عالية في التخلص من نفاياتها العضوية، إذ يمكن لعشرة آلاف من هذه الذبابة أن تتخلص من 800 كغم من مهدر الأطعمة، ومن هنا تتلخص تلك التجارب الناجحة التي يمكن لها أن تنقل دولة الكويت نقلة نوعية في استغلال حيازاتها الزراعية والتعامل مع نفاياتها العضوية بشكل ناجع وجدي الى أبعد مدى.