إذا كنت تلمس أنك تتمتع بموهبة تحثّك على ترجمة أحاسيسك شعراً، فمرحباً بك في هذه السطور التي ستعطيك فكرةً موجزة عن عَروض الفراهيدي ومبادئ كتابة القصيدة، وفقاً للكثير من التنظيرات التي كتبها الأخفش وابن جنّي والتبريزي وابن رشيق والزمخشري وغيرهم ممن رسّخوا قواعد القصيدة وفقاً لقواعد عروض الخليل بن أحمد.

أما إذا لم تكُن لديك القدرة على الالتزام بقواعد الشعر، وتُكابر بكتابة القصائد، اعتقاداً منك بأنك أصبحت شاعراً، فالفراهيدي يقول لك بأدبٍ جمّ:

Ad

إذا لم تستطع شيئاً فدعهُ

وجاوزهُ إلى ما تستطيعُ

***لمّا سُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي عن أصل عروض الشعر قال: مررتُ بالمدينة حاجاً، فرأيت شيخاً يُعلّم التلاميذ بترديد:

نعمٌ لا. نعمٌ لا لا. نعمٌ لا. نعمٌ لا لا... نعمٌ لا. نعمٌ لا لا.. وهكذا دواليك، فسألتُ الشيخ عن هذا الذي يرددهُ على التلاميذ.

- إنهُ تعلُّم ترديد الصوت.

- وهل لهُ تسمية؟

- نعم... اسمهُ «التنعيم»، لقولهم «نعم».

- وما أصولُه؟

- ورثناهُ من الأسلاف.

ويواصل الفراهيدي: وفي البصرة كنتُ مارّاً بسوق الصفارين، فسمعتُ دقدقة مطارقهم، فوجدتها متناغمة، فدعوت الله أن يرزقني علماً لم يسبق إليه أحد، ففتح الله عليّ بعلم العَروض.

***فاستنبط الفراهيدي أوزاناً موسيقية كان يرددها في البداية بلسانه، ثم أطلق عليها اسم بحور الشعر، وقسّمها إلى 15 بحراً، كما أعطى كل واحد منها اسماً، وهي كالتالي:

* الطويل، الوافر، الكامل، البسيط، الرّمَل، المديد، الخفيف، الرَّجَز، السريع، المُتقارب، المُنسرح، الهزَج، المضارع، المُجتث، والمُقتضب، فضلاً عن المتدارك الذي أضافه الأخفش.

ووظائف كل بحرٍ من بحور الشعر هذه سوف تأخذ الكثير من الوقت، لكنني سأضرب لكم مثلاً ببيتٍ من الشعر القديم من البحر الوافر:

ألا هُبّي بصحنك فاصبحينا

ولا تُبقي خمور الأندرينا

(مَفاعلْتن مفاعلَتن مَفاعل... مفاعلتن مفاعلتن مفاعل)

- ومن الشعر الحديث ما قاله جبران في قصيدته «خُلقتِ جميلة» من نفس البحر:

وما نِلتِ الجمال لتمنعيه

وما نهواكِ إلا مُخلصينا

***أكرر... إن الذي يستشعر الموهبة الشعرية في نفسهِ، فإن إلمامهُ بعَروض الفراهيدي سيفتح له أبواباً تجعله يكتشف عالَماً جديداً في الشّعر.