المتابع لمسار الشأن العام في الدولة يذهله التراجع في نمط العمل السياسي على صعيديه التنفيذي والبرلماني! فكلاهما بلغ حالة من الفوضى والتخبط في الخيارات والمسارات! فما يشكل تهديداً لوجود الدولة وسيادتها ويتطلب تحصيناً لمواطنيتها وهويتها، ليس له أي اعتبار لديهما، فيتم عن تعمد وسبق ترتيب تنحيته وإخفاؤه وتأخيره، بل والتفريط فيه وجعله محلاً للمساومة والتكسب الانتخابي على حساب استقلال الدولة ومنعتها وسيادتها!

ونرى مثال ذلك التهاون في ملف الجنسية والمواطنة في جميع جوانبه! فالجنسية الكويتية والهوية الوطنية تعرضت لمؤامرات ونكبات ونال منها مخطط غير سوي، حينما تم العبث بها بالتجنيس السياسي لتكوين ولاءات، والحظوة بتوازنات آنية، وما فتئ ذلك العبث أن تحول إلى آليات سياسية مخطط لها لغرض النيل من تكوين المجتمع السياسي للدولة، فشهدنا وجود أعضاء بمجلس الأمة ممن حصلوا على الجنسية بممارسات التجنيس العبثي! ولكم أن تتخيلوا حجم كارثة الوجود والهوية الوطنية، حينما يكون من بيده سدة التشريع تدور شبهات وتساؤلات عن كيفية حصوله على الجنسية ابتداء! والأكثر قلقاً أن تصبح جنسيته وفقاً للمادة الأولى والتي لا تثبت بحكم القانون رقم 15 لسنة 1959 إلا لمن هو من جيل المؤسسين أو أبنائهم!

Ad

وهكذا تغلغل إلى البرلمان عدد من هؤلاء المشرعين، وبدأ كل منهم يتسابق إلى تقديم مشروعات بقوانين للتجنيس تنتهك قواعد الولاء والانتماء، وتنال من الهوية الوطنية، فصدر قانون يقرر منح الجنسية لعدد سنوي بانحراف، ينتهك السلطة التقديرية للسلطة التنفيذية بل لسلطة سمو الأمير في هذا الموضوع السيادي! ثم أعقبته قوانين مماثلة لسنوات متلاحقة!

وقد ركب هذه الموجة عدد من النواب من قناصي الفرص والطامعين في استمرار مقاعدهم النيابية على حساب الوطن وهويته! وامتد العبث التشريعي بالقوانين إلى تغيير صفة المتجنس إلى كويتي «بصفة أصلية» خلافاً للنص الدستوري الذي حسم الكويتي بصفة أصلية عام 1962 بالمادة 82 منه، وهي صفة عرّفت وحدّدت واستقر معناها قبيل صدور الدستور وفقاً لما أورده القانون رقم 15 لسنة 1959، وهو مناط تلك الصفة بالمادة 82 من الدستور، لكن يد العبث التشريعي أبت إلا أن تُغيّر تلك الصفة انتهاكاً لأحكام الدستور وبتشريعٍ «بدعة» ومنحرف دون سند من واقع أو قانون، فما ثبت بالميلاد هو حقائق يستعصي على القانون تغيير حقيقتها، بل ولا يغشى ميدانها.

وفي ظل تلك الأجواء والتكوين المضطرب لمجالس الأمة بما يثيره ذلك من تساؤل واستغراب، شهد البلد حالات متعددة لتزوير الجنسية، وقد حكم القضاء في العشرات منها، وقررت الحكومة سحب المئات منها كما نشرت بالجريدة الرسمية، ولا يزال هذا الملف يثير قلقاً وطنياً وخشية حقيقية على سيادة الدولة بواقع يهدد الهوية الوطنية ويُغيّر ثوابتها!

وظهرت للعيان إشكالية ازدواج الجنسية وإسهامها الضار وتهديدها لسيادة الدولة، حتى فوجئ الكويتيون بأن أعداد الناخبين قفزت إلى خمسة أضعاف عددهم من 1992 حتى عام 2023، ما يؤكد الخلل والمخاطر الجسيمة التي علقت بملف الجنسية والهوية الوطنية، «والناخبين» بالتبعية، فلا غرابة أن أولويات البرلمان وأعضاءه بظروف كهذه وتكوين كهذا بعيدة عن حماية استقلال الوطن وهويته! وهو سر صمت من نعوّل على حسهم وغيرتهم الوطنية في مقابل جُرأة ومجاهرة حديثي العهد بالجنسية- بسبب العبث بالتجنيس - وتدافعهم المحموم لفتح التجنيس على مصراعيه لخلط الأوراق -لعلة معروفة - لمنع تصحيح أوضاع الجنسية والتجنيس المختل والمخالف للدستور ولخيارات الآباء المؤسسين وكما سطرها قانون الجنسية 15 لسنة 1959!

ومن يتابع أولويات أعضاء المجلس فسيرى التوجه الخاطئ لأولوياتهم التي لا تصب في مسار المصلحة العامة بقدر ما تهدر أحكام الدستور وتنال من الهوية الوطنية، فأين حمايتهم للهوية الوطنية وفتح ملفات العبث بالجنسية؟!

من المؤسف ألا يشغلهم ذلك بقدر التكسب الانتخابي والمطالبات الشعبوية غير الرشيدة فصار العمل النيابي متخبطاً يهتم بالقشور والمسكنات بدلاً من الذود عن الوطن والمواطنين!

وأسوأ منه حكومة أضاعت بوصلتها، فلا هي قادرة على التنفيذ ولا المواجهة، ولا قادرة على تحمّل مسؤولياتها، فلا غرابة أن يأتي برنامجها مُسقِطاً لأولويتَي حكومة 2022، وهما إنشاء الهيئة العامة للجنسية والجهاز المركزي للسياسات!