يأتي معنى كلمة أولوية باللغة بأنها مصدر من أولى: أي أحقية، أسبقية، أفضلية، وأنها الحالة التي يقدم فيها أمر على غيره من الأمور إما لسبب عامل الأهمية أو بسبب عامل الزمن، بهذا المعنى البسيط يكون معنى الأولوية مفهوماً وواضحا لدينا، ولا يحتاج شرحا أو تشريحا ما عدا حالتين لديهما التباس لا نفهم معناه حول مفهوم الأولوية:

أولهما، سائقو السيارات الذين لا يفهمون أن الأولوية في الدوار للقادم من جهة اليسار، فيتسببون بالحوادث والدعاء عليهم كل يوم.

Ad

وثانيهما، مجلس الأمة بجناحيه الحكومي والنيابي اللذين يمثلان الشعب تنفيذيا وتشريعيا، ولا يعرفان أولوياته حتى اليوم، وندعو الله لهم بالهداية البرلمانية كل يوم.

وكمثال بسيط حول مفهوم الأولوية، تصوروا أن هناك غريقا يصارع الأمواج المتلاطمة، وحوله أربعة أشخاص، الأول قال لا بد من معالجة انعدام وجود فرق الإنقاذ قرب الشاطئ، فهذا تسيب من الإدارة، والثاني قال: لا بد من تدريب الناس على السباحة وتخصيص فرق لهذا الأمر بشكل فوري وعاجل «أرواح الناس مو لعبة»، وقال الثالث إن الأمر يحتاج مؤتمراً صحافيا لمناقشة طرق توعية الأفراد عند السباحة داخل هذا البحر، ولم يقل الرابع شيئا بل قفز نحو الغريق وساعده على الخروج.

طبعا وفق مفهوم الأولوية الرابع حقق المضمون الفعلي للمصطلح، كونه جعل حياة الغريق مقدمة على باقي الأشياء الأخرى، لكن ما قاله الثلاثة الآخرون ليس شيئا سيئا، بل هو أمر مفيد ومنطقي، لكنه لم يكن أولوية في الحدث ذاته، ولم يكن توقيته مناسبا.

وعلى خطى المثال أعلاه لا بد أن نقول بداية: لا أحد يشكك في نوايا الحكومة والنواب، وأنهم فعلا يريدون أن يحققوا شيئا لمواطنيهم وناخبيهم ووطنهم، ولكن قبل كل شيء لا بد أن يعرفوا معنى الأولويات بعين المجتمع ذاته، لا بعيون لجانهم وجلساتهم وتحالفاتهم وصراعاتهم، ولا بد أن يعوا أن أولوية الأولويات للمواطن اليوم تختص بمستوى معيشته، ولا أظن أن هذا الأمر يختلف عليه صوتان أو يتناطح عليه رأيان، فالعالم كله لا بلادنا فقط يعاني أزمة تضخم وغلاء طارت به طيور السلع والمستلزمات المعيشة برواتبنا، و«انج يا سعد بدل الإيجار»، فقد هلك سعيد بدلات الغلاء، والمواطن غريق في بحر مطالب أسرته وعواصف احتياجه، فمدوا له يد هذه الأولوية قبل غيرها، وكونوا له «راعين الأولة»، كما نقول بالعامية ودمتم.