يعود العراق مرة أخرى ليؤكد نهجه المستمر في عدم احترام الاتفاقيات الدولية والعهود ومبادئ وقِيَم حسن الجوار الواجبة، واللجوء إلى التنصل من الالتزامات التي أبرمها ممثلوه تحت أنظار وشهادة مؤسسات المجتمع الدولي القانونية، ممثلة في مجلس الأمن والأمم المتحدة، كما يؤكد شكوك وظنون أبناء الشعب الكويتي التي تساوره حول عدم جدية ومصداقية المؤسسات العراقية الرسمية المتعاقبة في احترام الالتزامات الواجبة عليها تجاه جيرانها بشكل عام، وتجاه دولة الكويت بشكل خاص، حيث تحتّم مبادئ حُسن الجوار والعلاقات الدولية بناء علاقات ثنائية تبادلية قائمة على الاحترام ورعاية المصالح المشتركة.

فقد سبق لدولتَي الكويت والعراق إبرام اتفاقية دولية عام 2012، متعلّقة بالملاحة في خور عبدالله، وصادقَ عليها مجلس النواب العراقي ووقّع محضرها مجلس الوزراء العراقي عام 2013، فباتت بذلك ملزمة لدولة العراق، إلّا أن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت حكماً مسيّساً بعدم دستورية اتفاقية الملاحة في خور عبدالله، وذلك بدعوى عدم احترام نصوص الدستور بشأن الأغلبية الخاصة للتوقيع على الاتفاقيات الدولية، بالرغم من أنه سبق للمحكمة ذاتها رفض دعوى مشابهة عام 2014، وقضت فيها بدستورية الاتفاقية، وهو ما يجعل أحكامها متناقضة تحتاج إلى تفسير وتوضيح.

Ad

وجاءت المحكمة ذاتها اليوم لتنشر حيثيات حكمها المذكور، لتقدّم مبرراً آخر غريباً لم يأت ذكره عند الإعلان عن ملخّص الحكم، وهو ذلك المتعلق بأن ما كان يسمى «مجلس قيادة الثورة (المنحل) المختص بالمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وفقاً للقانون رقم 111 لسنة 1979، قانون عقد المعاهدات الذي كان نافذاً وقت تشريع قانون تصديق الاتفاقية المذكورة آنفاً لم يعُد له وجود»، متناسيةً بذلك مبدأ بسيطاً وأساسياً في القانون الدولي بأن التزامات الدول تجاه بعضها مستمرة، ولا تنقطع بتغيّر الأنظمة أو الحكومات، وأن تعديل المعاهدات الدولية أو إلغاءها يتطلّب موافقة أطرافها كافة.

إن هذه الحيثيات الضعيفة وغير المنطقية التي تم نشرها عن الحكم المذكور منذ أيام قليلة تعيد إلى الأذهان ما سبق أن عبّر عنه الشعب الكويتي ونوابه وقواه السياسية المتعاقبة، وهو ما نعود اليوم لنؤكد، بل ونشدّد عليه، وذلك على النحو التالي:

1 - إن دولة العراق بمؤسساتها المختلفة تثبت يوماً بعد يوم عدم جدّيتها في التوقف عن محاولات انتهاك حرمة الحدود الكويتية البرية والبحرية وتهديد مصالحها.

2 - إن حكم المحكمة الاتحادية العليا العراقية مُسيّس، والغرض منه خدمة أغراض سياسية للأطراف العراقية المتصارعة ولحلفائهم الإقليميين.

3 - إن الحكومة العراقية غير جادة، وتتهرب من تطبيق التزاماتها الدولية والإقليمية والثنائية، ويتحتم عليها تحمُّل مسؤوليتها وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية والمعاهدات التي تبرمها.

4 - إن الاتفاقية البحرية بين الكويت والعراق تستند إلى قرارات مجلس الأمن، ولذلك نطالب الحكومة الكويتية - ووزارة الخارجية تحديداً - ببذل دورٍ فاعلٍ وسريعٍ لإلزام العراق بتنفيذ الاتفاقيات الدولية الثنائية بين البلدين، وعدم الاكتفاء بإجراء اتصالات سريّة مع المسؤولين العراقيين، وعدم التوقف حول هذه القضية المهمة للغاية انتظاراً لردّ فعل لن يأتي من الحكومة العراقية، التي لا تزال تلوذ بالصمت، وبما يؤكد أن المسألة برمّتها لا تعدو عن كونها تبادل أدوار يجب ألّا تنطلي على أحد، ويجب على متخذي القرار التحرّك وفقاً لذلك، لحماية أمن الكويت واستقرارها.

5 - ونؤكد أن هذا الملف الساخن ليس شأناً خاصاً، بل هو قضية تهمّ جميع أبناء الشعب الكويتي بمختلف فئاته وأطيافه وانتماءاته السياسية، ويتعيّن تشكيل فريق متخصص رفيع المستوى من الحكومة ومجلس الأمة للوقوف على مستجدات الأمر، ووضع الضمانات اللازمة للحيلولة دون استفحاله أو تكراره في غيره من المعاهدات الدولية بين البلدين.

كاتالست «مادة حفازة»:

معاهدات تُوقّع + مواقف تُتَّخذ سريعاً = سيادة كويتية