قبل سنوات زرت مدينة «كانتربيري» الإنكليزية الواقعة على بعد ساعة بالقطار من لندن، مدينة صغيرة ذات طبيعة جميلة وتاريخ عريق، نجحَت في دمج الماضي مع الحاضر لتغدو مزاراً سياحياً فاتناً، وخلال نزهة القارب عبر نهر ستور الصغير الذي يقطع المدينة، لفت أنظارنا رافعة على جانب النهر تنتهي في أعلاها بكرسي خشبي يطل على النهر، سألنا مرشدنا السياحي عنها، فقال: هذه الرافعة كانت تستخدم في العصور الوسطى لاختبار السحرة المشتبه فيهم، فكانت المشتبَه فيها تُربط بهذا الكرسي ثم يتم إنزالها باستخدام الرافعة لتغمس تحت مياه النهر.

إذا ماتت فهي بريئة من تهمة السحر، أما إذا قاومت وبقيت على قيد الحياة، فحينئذ تثبت تهمة السحر عليها ويتم إعدامها فوراً بالحرق أو الشنق، وكل امرأة كانت في موضع اشتباه في أنها ساحرة لمجرد أن شعرها أحمر، أو لأن عينيها خضراوان، أو لديها ثؤلول أو وحمة على جسدها، فحمرة الشعر كانت دليلاً على الشر والضلال وعلى أنها سرقت النار من الجحيم!

بل تم تشجيع الأطفال والكبار على حد سواء على إبلاغ السلطات إذا اشتبهوا مجرد اشتباه في أن أحد الأقارب أو الجيران يمارس السحر، وأصبح صيد الساحرات مهنة تدر على صاحبها الكثير، وكل امرأة أو فتاة يقبض عليها ويقدمها للكنيسة للمحاكمة ينال مقابلها جائزة قيّمة.

Ad

منذ عام 1484 حتى عام 1750 تم تعذيب أو حرق أو شنق ما يقدَّر بـ200 ألف ساحرة في أوروبا الغربية مع إعدام نحو 500 شخص في إنكلترا، وتم ذلك دون محاكمة، أو بمحاكمات هزلية معروف حكمها مسبقاً.

كان بإمكان الأزواج الكارهين لزوجاتهم أن يتقدموا للسلطات بطلب فرض العقاب والتعذيب على زوجاتهم بادّعاء أنهن ساحرات، هكذا بكل سهولة ودعم من مجتمع معدَم الإرادة راضخ لسلطة الكنيسة مغيَّب فكريا.

كانت الضحايا في كثير من الأحيان زوجات يتم عرضهن في الشوارع وسط حشود من الاستهجان والسخرية والاحتقار قبل ربطهن بالمقعد وإغراقهن في الماء.

تذكرت ذلك المقعد المطل على نهر ستور وكل قصص الإعدام والحرق والتعذيب تلك، وأنا أقرأ الاقتراح النيابي الفذ بإنزال عقوبة السجن والغرامة، التي قد تتطور مستقبلاً إلى الإعدام، على من يرتكب عملاً من أعمال السحر والشعوذة، وأستطيع أن أتخيل هستيريا البلاغات عن (السحرة والساحرات) والقبض عليهم ومعاقبتهم في غياب معايير واضحة لإثبات أن ما يقوم به هو فعلاً سحر، لا مجرد نصب واحتيال على زبائن سذّج!

ستكون فرصة عظيمة بلا شك تُقدّم على طبق من ذهب لبلاغات كيدية يصعب نفيها في ظل هذا القانون الضبابي المقترح لنشهد عصورا مظلمة أسوأ من تلك التي ولّى عهدها في أوروبا ليحييها نوابنا بيننا!