عندما بدأت دراسة الإعلام بالولايات المتحدة عام 1976، لم أكن أعرف شيئاً عن بطاقات الائتمان، كبطاقة الفيزا والماستركارد والأميركان إكسبريس وغيرها، ولم تكن البنوك الكويتية تقدم خدمة بطاقات الائتمان لعملائها، لأنها لم تكن منتشرة بين العامة، ولكثرة استفسار المحلات الأميركية عن طريقة سدادي لقيمة مشترياتي (نقداً أم ائتماناً)، ولأن الأميركان لا يحملون مبالغ نقدية خوفاً من تعرضها للضياع أو السرقة، فكرت بمراسلة شركات بطاقات الائتمان للحصول على واحدة منها، وهي شركات تطلب من المتقدم تعبئة نماذج مليئة بشتى أشكال الأسئلة شديدة الخصوصية.

ولم يمض على حصولي على بطاقة الائتمان سوى بضعة شهور حتى امتلأ صندوق البريد الخاص بسكني برسائل متنوعة من شركات وأشخاص لم ألتق بهم ولم أسمع بهم من قبل، فاكتشفت أن معلوماتي الشخصية قد تسربت إلى شركات ائتمان أخرى ومتاجر ومؤسسات أسمع بها لأول مرة، ولا أستثني تسلمي طلباً من محكمة مدينة دنفر لأكون عضواً في هيئة محلفي المحكمة مستندين في طلبهم على قدراتي اللغوية، حتى إن كنت أجنبياً، وعلى الرغم من أن كل مؤسسات بطاقات الائتمان تدعي أن معلوماتنا الشخصية ستظل طي الكتمان بداعي السرية، فإننا نفاجأ بأن هذه المعلومات نفسها قد حصل عليها آخرون لا نعرفهم، فهل المصادفة أدت دوراً في وقوع بياناتنا الشخصية بأيدي غرباء، أم أن هؤلاء الغرباء قد حصلوا على بياناتنا بمقابل مادي من أجل تعريفنا بمنتجاتهم والإعلان عن خدماتهم؟

Ad

هذا التحليل أو التبرير هو الأقرب لما مررت به من تهافت الغرباء للتعامل معي، وهو ما نعيشه في الكويت اليوم من واقع مرير بسبب انكشاف كل أسرارنا لغرباء لا نعرف أي شيء عن غالبيتهم، إلا إذا أثبتت حكومة سمو الشيخ أحمد النواف العكس، وهذا الأمر يجرنا إلى طرح مجموعة من أسئلة مستحقة للحفاظ على الكويت أرضاً وسيادة ومن بعدها الهوية، كما أنها ستدعم القائمين على حماية الأمن القومي أو الوطني، وتفيد كذلك القائمين على تحسين الأداء الحكومي، وأول وأهم هذه الأسئلة: من الذي يبرمج كمبيوترات وزارات الدولة عموماً والوزارات السيادية خصوصاً، وأعني هنا وزارة الخارجية والداخلية والدفاع والحرس الوطني ووزارة الإعلام، ناهيك عن بقية الوزارات والمؤسسات والهيئات الأخرى التي تعد بالعشرات؟ هل هم كويتيون أم غير كويتيين؟ وكم عدد الكويتيين بينهم؟

وإذا كانوا غير كويتيين، ما المجالات المتاحة لهؤلاء لتسريب معلومات عن الكويت لجهات خارجية أو أجنبية، خصوصاً أن السواد الأعظم من هذه المعلومات يندرج تحت بند «غاية في السرية» أو (Classified)؟ وما جنسية الذين يقومون بمراقبة الكاميرات الأمنية المنتشرة في الكويت، حتى إن كنتُ شخصياً من أشد المؤيدين لنشرها في كل مكان، ليستفيد كل من يعيش في الكويت؟ وما فائدة مناقصة الهيئة العامة للاتصالات إذا كانت الكويت بأكملها مكشوفة على العالم، بعد أن وصل إليها أدق أسرارنا؟ وهل صارت الكويت الدولة الخليجية الوحيدة «اللي فاتحينها بحري» للأغراب؟ وماذا كان يمكن أن يحدث لنا لو لم تكشف النائبة الفاضلة د.جنان بوشهري فضيحة الهيئة العامة للاتصالات؟

إنها أسئلة منطقية من مواطن يشك في مستقبل وطنه، فما بالك بهويته؟ ومن تجاربي مع الحكومات الكويتية المتعاقبة أعرف أن الحكومة بكامل جهازها ستتجاهل مضامين هذه المقالة بأكملها، فهل سيتلقفها نائب محترم كالدكتورة جنان بوشهري كي يمزق «الجربة»، رغم ما فيها من ثغرات لا يمكن إغلاقها؟