بدأت تنتشر منذ فترة قصيرة فيديوات لسياسيين لبنانيين يعبرون عن عدم ثقتهم بحزب الله بعد أن كانوا من أنصاره، ويقولون إن حربه مع الكيان الصهيوني ليست حقيقية، وأعتقد أن كثيراً من الكويتيين والنواب الذين ذهبوا لتأييد ذلك الحزب والمباركة له قبل سنوات أصبحوا اليوم ليسوا بعيدين عن هذه القناعة بعد فترة من مواقف الحزب.

هكذا تتوارى الرؤية الحصيفة عند كثير من الناس، فلا يدركون الحقائق إلا متأخرين، فقبل عقود انتخب الشعب الألماني هتلر وهتفوا له، واليوم أصبحوا يجرّمون حتى كلمة ثناء عليه، بعد أن دمر ألمانيا، وتسبب في قتل مئات الملايين، وكذلك أخطأت بعض الشعوب في تقييم أعمال زعمائها مثل ستالين في روسيا، وموسيليني في إيطاليا، وفرانكو في إسبانبا، وعبدالناصر في مصر المحروسة، وغيرهم الكثير من القيادات، فأيدوهم وهتفوا لهم، ولم يكتشفوا أخطاءهم إلا بعد مدة كانت الشعبوية مسيطرة على عقولهم فيها وكانوا في سكرتهم يعمهون.

Ad

وفي الكويت بدأ بعض المراقبين وبعض النواب ينتبهون إلى أخطاء تشريعية سابقة اندفع المجلس إلى تشريعها أو مطالبة الحكومة بها، وصفق لها كثير من الناس، ثم بعد فترة من التطبيق بدأت تظهر عيوبها، فسمعنا مثلاً الكلام الجيد الذي انتقد فيه النائب عبدالله المضف إنشاء شركة حكومية لجلب خدم المنازل (وهل دور الحكومة إنشاء شركات لجلب الخدم)، وكذلك انتقد كثير من الناس كما انتقد النائب عبدالوهاب العيسى عيوب ما سُمي «بيع الإجازات» بعد أن كان الأعضاء يطالبون بسرعة إصدار مرسوم البيع وإلغاء كل الضوابط المنظمة له، وذهبت أصوات المعترضين أدراج الرياح حتى ظهرت العيوب.

وكذلك الأمر فيما يتعلق بالكوادر التي كانت المطالبة بها قبل سنوات سباقاً محموماً بين الحكومة وبعض النواب، ولم تستمع الحكومة وكثير من الأعضاء للأصوات المحذرة من أرقامها الفلكية، ونال المحذرون، وأنا منهم، ما نالهم من الأذى، فتم إقرار الكوادر، ووقع المحظور، وها هم اليوم يطالبون بالبديل الاستراتيجي لإصلاح هذا الخطأ.

وكذلك بُحت أصوات الوزيرين حمود الرقبة وجاسم العون من التحذير من نقص الكهرباء في المستقبل، وها هي الكهرباء تنقطع اليوم بعد سنوات قليلة، ونضطر إلى شرائها من الشبكة الخليجية، وتعب المتخصصون أيضاً، وهم ينبّهون إلى الخطر على مستقبل التأمينات إذا استمر استنزافها بالمعاشات الاعتبارية والاستثنائية وقوانين بعض النواب، حتى وقع ما حذروا منه، فوصل العجز إلى 24 مليار دينار، ولم يكن عند الحكومة «كاش» فأعطتها أراضي (چول) تسدد به جزءا يسيراً من العجز، وطالبنا وطالب أهل الاختصاص أيضاً بالتنسيق بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل، ولكن لم يتم اتخاذ القرار المطلوب، ويوجد اليوم آلاف الدارسين والبعثات والخريجين في تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل، وينتظرون الوظيفة في طوابير الخدمة المدنية.

هكذا حال كثير من الناس يهرولون ويصفقون بلا علم، ولا يدركون أهمية القرار وخطورة التشريع وضرورة دراسته من جميع الجوانب الآنية والمستقبلية إلا بعد فوات الأوان.

ومن المؤسف أن هذا النمط من التفكير والتشريع مستمر حتى الآن عند بعض النواب وبعض الناس، فما زال بعضهم يصر بعد الاعتماد بعد الله على مصدر واحد للدخل، رغم كل تحذيرات الاقتصاديين والمطالبات بالإصلاح الاقتصادي، وكأن في آذانهم وقراً، وما زالت اقتراحات استنزاف التأمينات مستمرة وكأنهم لم يسمعوا بالعجز الاكتواري، وما زالت اقتراحات دغدغة الناخبين مستمرة بقوانين صرف هائلة قبل إيجاد المصادر المالية اللازمة لها، وما زالت اقتراحات السحب من احتياطي الأجيال تنهال في المجلس، أي أن الوضع «سماري» كما وصفه تقرير الشال الاقتصادي.

ومثل ما حدث في الكثير من الأمثلة التاريخية السابقة فإن السنوات القادمة ستكشف خطورة هذه الاقتراحات، وتعانيها أجيالنا في معيشتها، وكل الخشية أن يكون ذلك بعد فوات الأوان بسبب غياب الرؤية المستقبلية وضعف الحكومة وحرصها على كراسيها وتحالفها مع بعض النواب من أصحاب هذه الاقتراحات.