الانكفاء على الذات أو على النفس قرار ذاتي، يتحمل مسؤوليته صاحبه، وهو خطأ فادح لأنه مع مرور الزمن يودي بصاحبه الى دائرة النسيان وحتى إلى الاضمحلال، بعد أن يصبح وحيدا جامدا، يرى العالم من حوله يتحرك الى الأمام، إلى التطور، وهو يعيش قانعا سعيدا تحت أحلام اليقظة، متفاخراً بماضيه التليد الذي أضاعه.

الانكفاء على الذات يمنع صاحبه من المشاركة والعطاء والتميز، فيتحول الى رقم بلا قيمة، وهناك أمم كثيرة انكفأت على نفسها، فاضمحلت وأصبحت من الحضارات التي سادت ثم بادت، ومنها أمتنا العربية، فبعد أن كان لها حضور دولي، وبسبب الفساد والظلم والاستهتار بمصيرها، تحولت من أمة مرهوبة الجانب يتودد لها العالم بأسره ويحسب لها ألف حساب، الى أمة جاهلة خانعة تسيطر على شعوبها الخزعبلات والخرافات، وتتناهشها حثالات الأمم من كل صوب، بعيدة كل البعد عن المشاركة في تقرير مصير هذا العالم الذي يضج بالحركة والتطور، إنها أمة إمّعة والآخرون هم من يقررون لها مصيرها.

Ad

ولكن هناك ما يدعونا الى التفاؤل، فدول الخليج شمّرت عن سواعدها، بعد أن حباها الله بالثروة، فاستطاعت بها، وفي وقت قياسي، أن تستعيد عافيتها، وأن تتقدم حثيثا تعليما وتنمية وبنيانا، واجتماعيا، فالكويت ومنذ سنوات انكفأت على نفسها، ولم يعد يشغلها مستقبل أجيالها، ولم يعد تدهور التعليم يهمها، ولا تفشي الفساد والرشوة والتزوير يزعجها، تبارك للأشقاء تقدمهم وتطورهم وإنجازاتهم، من دون أن يقابلها مباركة من أحد، فإنجازاتها وتميزها كلها قديمة وقد تعداها أشقاؤها، تتفاخر بديموقراطية غلب عليها الهرج والمرج، وغلبت عليها السفسطائية والنقاش العقيم، كلما زادت فيها المؤسسات المنتخبة والهيئات الرقابية زاد فيها الفساد، وتفاقمت الرشوة، وتفشى التزوير في كل شيء.

ويبدو أن ضعف الإدارات الذي تشبع حتى النخاع لسنوات طويلة في مجموعة من القياديين والإداريين الفاشلين العاجزين عن إدارة شؤون البلد، ووضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، والاعتماد في إدارة البلد ومصالحه على الولاءات بدلا من الكفاءات، وغياب العقاب الحقيقي والثواب الأحق، كل هذا جعل من الوطن وكأنه قد شل بفعل فاعل.

هذا التوجه المدمر وضع مصير البلد بأكمله تحت رحمة مسؤولين فاقدين للعلم والكفاءة والنزاهة، وتحت رحمة مجالس منتخبة صوريا وصل معظم أعضائها الى سدة التشريع ليس لتميزهم وحنكتهم وخبرتهم، ولكن لانتماءاتهم القبلية والطائفية والحزبية والولائية.

الكويت الآن على مفترق طرق، والواضح الجلي أنها على الطريق الخطأ، فلا الحكومة قادرة على التخلص من أدران الماضي الفاسد الفاشل، ولا المجالس بتركيبتها بقادرة على مساعدة الحكومة لسلوك الطريق الصحيح.

الكويت في أمسّ الحاجة الفورية الى تعديل المسار، وتعديل المسار لن يتحقق من دون قرارات حازمة وإجراءات جراحية لا محاباة فيها ولا مجاملات. تعديل المسار يعني انتشال الكويت من انكفائها وكبوتها الى الصدارة كسابق عهدها، وهذا لن يتحقق من دون رغبة حقيقية، وإرادة قوية صارمة على التنفيذ.

الكويت بلد الخير والأمان، والكويت غنية بأهلها وبأموالها إذا ما أُحسن استخدامها، وإذا ما اُسترجع ما نهب منها، وإذا ما بدأ الإصلاح من أعلى سلمها، وحفظ الله الكويت وشعبها وأسرة حكمها من كل مكروه.