قال الله تعالى في سورة هود «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ».

فإذا كان الله تعالى يعطي كل صاحب فضل فضله، فكيف ننسى نحن دور من تفضل علينا وعلى بلادنا؟! يقول أحد الكتاب القدماء إن التاجر إبراهيم بن مضف رحمه الله (1849-1927) فقد ابنه عبداللطيف وحفيدين له في البحر، وفقد أيضاً ابنين هما مضف وعثمان في معركة الصريف، وفقد أيضاً ابنه مهلهل في معركة الجهراء، ولكنه كان صابراً محتسباً يستقبل المعزين بوجه لا أثر للحزن فيه، وبابتسامة تعبّر عن ثقة المؤمن الموقن بأن المصائب لا حول لأحد في دفعها. وهو نفسه إبراهيم بن مضف الذي قال له الشيخ سالم المبارك الصباح يوماً ما يصف فيه أحكامه بين المتنازعين في مسائل الغوص «إن الخصمين (عادة) ينصرفان معاً، أحدهما راض والآخر ساخط، وهذه السُّنة التي يجب أن تكون منذ أن كان العدل، إلا أننا نعجب منك يا إبراهيم ينصرف الخصمان عنك وهما راضيان بما حكمت!». وهو نفسه إبراهيم بن مضف الذي ترك الكويت، مع مجموعة من التجار، على خلاف مع الشيخ مبارك الصباح، لكنه عاد بعد فترة بطلب من مبارك نفسه الذي أدرك أهمية التجار للكويت وتجارتها.

Ad

وإذا نظرنا إلى الأمر في شمولية وحيادية، نرى أن التاجر قديماً وفّر الوظيفة للمواطن مثلما توفر الدولة اليوم الوظائف للمواطنين، وأن المواطن قديماً قام بوظيفته بأمانة وإخلاص مما أدى إلى نجاح العمل والحصول على مكاسب أغنت المواطن عن السؤال، وأكسبت التاجر الأموال، وأثمر ذلك كله عن خلق بيئة تجارية جاذبة وإيجابية للكويت نمت في ظلها وازدهرت حياتها. وما إبراهيم بن مضف إلا رجل واحد من أهل الكويت الذين لا يمكن حصرهم من الذين ساهموا في بناء بلدهم قبل حقبة النفط بفترة طويلة، ولم يطلبوا مكافأة أو مقابلاً لما قدموه، ولمن يرغب في المزيد من المعلومات عن بن مضف وغيره من أهل الفضل والإحسان والتضحية في الكويت فليرجع إلى السلسلة الرائعة الموثقة التي تأتي تحت عنوان «محسنون من بلدي» التي يصدرها بيت الزكاة الكويتي، فهل ننسى دورهم؟!

الطواش سليمان بن عيسى القناعي

كان الرعيل الأول ومن تبعهم من أهل الكويت يعملون بخفاء ومن دون سعي للشهرة، ولذلك سقطت من تاريخ الكويت أسماء كثيرة قدمت الكثير بخفاء وبسخاء يدفعها خوف من الله ورغبة صادقة في الأجر والثواب، والأمثلة على ذلك كثيرة.

أما في مجال السفر الشراعي إلى الهند وإفريقيا، فحدّث ولا حرج عن دور الأجداد في قيادة مئات السفن نحو الجنوب والشرق للتجارة مع العالم وتوفير المستلزمات الضرورية، ليس لأهل الكويت فقط، بل لكثير من الموانئ المنتشرة في شرق الخليج العربي وغربه. وقد وثّق المؤرخون الدور الكبير الذي لعبه الأسطول الكويتي في الملاحة أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأكدوا نجاحهم في توفير المؤن والمواد الغذائية للكثير من الناس في الكويت وخارجها رغم ظروف الحربين وخطورة الملاحة في الخليج وخارجه. فكيف ننسى دورهم؟!

كيف ننسى نواخذة الغانم، ونواخذة العصفور، ونواخذة القطامي، ونواخذة العثمان، ونواخذة العسعوسي، ونواخذة بن حيّي، ونواخذة العبدالجليل، ونواخذة الفلاح، ونواخذة المبارك، ونواخذة بورسلي، ونواخذة العوازم، ونواخذة الرشايدة، ونواخذة فيلكا، ونواخذة قرى الكويت، ونواخذة بن نخّي، ونواخذة بن شيبة، ونواخذة بن عيسى، ونواخذة الخشتي، ونواخذة الخرافي، ونواخذة الصقر، ونواخذة بشارة، وغيرهم الكثير؟! كيف ننسى دورهم وما قاموا به في توفير احتياجات أهل الكويت رغم المخاطر التي كانت تحيط بأعمالهم؟!

كم من طبعة (أي حادثة غرق وتحطّم سفن بحرية) وقعت في تاريخ الكويت وتم توثيقها وآخرها «طبعة بلال» في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي؟! هل ننسى سنة الطبعة عام 1871 وكيف اختفت سفن عديدة لأهل الكويت ولم يعد من كان عليها؟ لقد أبحرت سفن كاملة من الكويت ولم تعد أو يعد رجالها إلى أسرهم، فقد ابتلعتهم مياه البحار، وحطمت سفنهم أمواج المحيطات، وأصبحت زوجاتهم أرامل، وأصبح أولادهم أيتاماً... فهل ننسى الذين خاطروا بحياتهم من أجل كسب الرزق الحلال... هل ننسى دورهم؟!