بعد أشهر من التقدم البطيء في القتال الشرس، الذي تسبب في خسائر فادحة عبر حقول الألغام والقرى والأراضي المفتوحة، لجأت أوكرانيا إلى تغيير استراتيجية الهجمات المباشرة إلى «حرب استنزاف»، تسعى من خلالها للوصول إلى ما وراء خط المواجهة باستخدام الطائرات المسيّرة وصواريخ بعيدة المدى قدمها الحلفاء الغربيون؛ لعزل شبه جزيرة القرم وما حولها.

وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فإن كييف تهدف إلى «تقويض موقف روسيا في المنطقة، وعرقلة دعم موسكو لقواتها المحتلة في جنوب أوكرانيا».

وفي تصعيدٍ لحملتها لعزل شبه الجزيرة، التي ضمتها موسكو في 2014، ركّزت أوكرانيا على استهداف الجسر الوحيد، الذي يربطها بالبر الروسي وافتتحه الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً عام 2018.

ونقلت صحيفة «أوكرانسكا برافدا» عن الاستخبارات الأوكرانية، أنها استهدفت ليلة الجمعةــ السبت قاعدة لوجستية للقوات الروسية بالقرب من يفباتوريا غرب القرم باستخدام 17 طائرة مسيّرة، ما أسفر عن قتل أو إصابة «عشرات المحتلين».

ونفذت قوات النخبة الأوكرانية غارة جريئة عبر نهر دنيبرو على مواقع روسية بالقرب من مدينة خيرسون الجنوبية، وفق صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.

ووضعت قوات حرس الحدود الأوكرانية لافتة جديدة على جزيرة الأفعى، لتعيد إلى الأذهان ما حدث في الساعات الأولى من الغزو الروسي، عندما استخدم أحد حراس الجزيرة الاستراتيجية الواقعة في البحر الأسود عبارة منتقاة لرفض الاستسلام لسفينة حربية.

وفي حين، أطلقت بارجة «فاسيلي بيكوف» الروسية طلقات تحذيرية باتّجاه سفينة الشحن التجارية «سوكرو أوكان» المتوجهة إلى ميناء إزمايل الأوكراني، بدأ الأسطول الروسي مناورات واسعة في الشمال المتجمد بمشاركة 8 آلاف جندي و20 سفينة وغواصات وسفن دعم، وذلك غداة تفقد وزير الدفاع سيرغي شويغو حاميات القطب الشمالي.

وفي تفاصيل الخبر:

يبدو أن تداعيات التمرد الفاشل الذي نفذته في يونيو الماضي مازالت تلقي بظلالها على نشاط مجموعة «فاغنر»، التي بدأت في تقليص حجم قواتها وتحاول إعادة هيكلتها لأسباب، أبرزها توفير نفقات رواتب مقاتليها في الوقت الذي تعاني فيه من ضغط مالي.

وأوضحت وزارة الدفاع البريطانية، أمس، أنه منذ تمرد المجموعة في يونيو 2023، تحركت الحكومة الروسية ضد بعض الأنشطة الأخرى لمؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين، وإن ثمة احتمالاً واقعياً بأن الكرملين توقف عن تمويلها.

Ad

كما ذكرت أنه في هذه الحالة، فإن بيلاروسيا من المحتمل أن تكون من يتولى دفع رواتب مقاتلي المجموعة. إلا أنها نبهت إلى أن هذه المسألة قد تشكل مشكلة لمينسك. وقالت إن «تلك القوة الكبيرة الحجم ستشكل استنزافاً ضخماً ولا يلقى ترحيباً للموارد المتواضعة لبيلاروسيا».

وأثارت «فاغنر» حفيظة الرئيس فلاديمير بوتين بسيطرتها في يونيو الماضي على مدينة روستوف واحتلالها المنطقة العسكرية الجنوبية، ثم تحركها باتجاه العاصمة قبل أن تتوقف على بعد 200 كلم منها، وتعود أدراجها بعد وساطة من بيلاروسيا، وشدد حينها على أنه لن يتسامح مطلقاً مع «الخونة» وتوعد بالقصاص منهم، قبل أن يعود ويلين لهجته بعد وساطة بيلاروسية.

وأتى هذا الانقلاب أو التمرد العسكري بعد أشهر من الانتقادات اللاذعة التي كالها بريغوجين، حليف بوتين السابق، الذي كان يلقب بـ«طباخ الكرملين»، للدفاع الروسية.

بل اتهم وزير الدفاع ورئيس الأركان بالخيانة، قبل أن ينسحب من القتال في أوكرانيا، بعد أن كانت مجموعته تشكل رأس حربة على الجبهات هناك إلى جانب القوات الروسية.

لكن بعد أسابيع من خروجه إلى بيلاروسيا، عاد وأكد في تسجيل صوتي أن عمل المجموعة مستمر في إفريقيا، وفي مراكز التدريب ببيلاروسيا على السواء، كما ألمح الرجل المثير للجدل إلى أن «فاغنر» قد تتخذ قراراً بتجنيد مقاتلين مرة جديدة إذا احتاجت روسيا ذلك!

طلقات وتدريبات

وفي تطور ميداني، أطلقت بارجة «فاسيلي بيكوف» الروسية طلقات تحذيرية باتّجاه سفينة الشحن «سوكرو أوكان» المتوجهة إلى ميناء إزمايل الأوكراني.

وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن قبطان سفينة الشحن التي ترفع علم بالاو لم يستجب للأوامر بالتوقف «لتفتيشها من أجل التأكد من عدم نقلها بضائع محظورة، ولإجباره على التوقف، أطلقت السفينة الروسية طلقات تحذيرية من أسلحة آلية صغيرة، وسارعت مروحية تقل عسكريين بعد ذلك لتفتيش السفينة. وبعدها سُمح لـ»سوكرو أوكان» بمواصلة رحلتها.

وغداة تفقد وزير الدفاع سيرغي شويغو حاميات نائية للأسطول الشمالي في القطب الشمالي، أعلنت «الدفاع الروسية»، انطلاق مناورات لأسطول الشمال بمشاركة 8 آلاف جندي و20 سفينة وغواصات وسفن دعم، موضحة أنها تشمل تنفيذ عمليات خاصة لعزل مناطق العمليات، وتطويق وتدمير مجموعات تخريب واستطلاع، وجزء من القوات الساحلية سيُنشر لحماية اتصالات الطريق البحري الشمالي والمواقع المهمة، والدفاع عنها.

حرب المسيرات

وعلى الأرض، قُتل 6 أشخاص بينهم رضيعة في قصف روسي، أمس، استهدف منطقة خيرسون، وفق ما أعلن وزير الداخلية الأوكراني إيغور كليمنكو.

وبينما كثفت كييف هجماتها بالعمق، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، إسقاط طائرتين مسيرتين فوق مقاطعة بيلغورود الحدودية مع أوكرانيا، وتدمير أخرى فوق كورسك.

يأتي ذلك بعد ساعات من إطلاق القوات الأوكرانية طائرات مسيّرة وصواريخ على مواقع في شبه الجزيرة بينها جسر القرم.

وذكرت «الدفاع الروسية» أن القصف تم بواسطة صواريخ من طراز «إس - 200» وهي للدفاع الجوي عُدّلت لتصيب أهدافاً أرضية.

جزيرة الأفعى

في المقابل، وضعت قوات حرس الحدود الأوكرانية لافتة جديدة على جزيرة الأفعى في البحر الأسود، تأكيداً على استعادتها.

وفي مقطع تناقلته القوات الأوكرانية، قال أحد قوات الحرس: «سيتم تثبيت اللافتة الحدودية التالية في شبه جزيرة القرم بعد أن تحررها قوات الدفاع الأوكرانية».

وتقع هذه الجزيرة الصغيرة بالبحر الأسود قبالة سواحل أوديسا، وأصبحت رمزاً للمقاومة الأوكرانية في الساعات الأولى من بدء العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير 2022، عندما أرسل ضباط روس على متن السفينة الحربية موسكفا التابعة لأسطول البحر الأسود رسالة باللاسلكي للحراس الأوكرانيين المرابطين هناك وأمروهم بالاستسلام أو الموت.

ونجحت البحرية الروسية في السيطرة عليها مع نهاية اليوم الأول للحرب، ثم استعادتها القوات الأوكرانية في 30 يونيو العام الماضي.

في غضون ذلك، واصلت أوكرانيا ضغطها على الحكومة الألمانية من أجل توريد صواريخ جوالة من طراز «توروس» لكييف من أجل الدفاع عن نفسها في مواجهة روسيا.

وقال وزير الخارجية دميترو كوليبا، أمس، إن أوكرانيا بحاجة لهذه الصواريخ «كي تنقذ حياة عدد أكبر من الجنود والمدنيين الأوكرانيين، وللإسراع من تحرير مناطقها».

وتعهّد كوليبا مجدداً باستخدام هذه الصواريخ داخل الحدود الأوكرانية فقط، وأكد أن أية مخاوف من احتمالية أن تستخدم أوكرانيا صواريخ «توروس» ضد أهداف على الأراضي الروسية بأنها «غير مبررة».