نهوضاً منها بحق الأخوة الذي تعرف له قدره، ووضعته في عنقها التزاماً أخلاقياً، وبعدما منحت الأشقاء في لبنان عام 1969 قرضاً لبناء صوامع مرفأ بيروت لتوفير المخزون الاستراتيجي من القمح، عادت الكويت لتتعهد مجدداً بإعادة بنائها وإعمارها، إثر الانفجار الذي عصف بالمرفأ قبل 3 سنوات، لتغدو هذه الصوامع التي تصدت لعصف الانفجار الكارثي، وحمت الأبراج التي خلفها، كويتية المنشأ والإعادة.

وبحسب بيانات الصندوق الكويتي للتنمية، فإن قيمة القرض الذي قدم للبنان آنذاك بلغ مليونين وسبعمئة وثلاثين ألف دولار، وتم توقيع العقد بتاريخ 7 أغسطس 1968، أي قبل 55 عاماً، إذ وقعه وزير المالية، المغفور له بإذن الله، عبدالرحمن العتيقي بصفته مديراً للصندوق.

Ad

وبُعيد الانفجار الكارثي الذي اعتبر واحداً من أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، والذي تسبب في مقتل أكثر من 160 شخصاً على الأقل، ووقوع آلاف الإصابات، فضلاً عن تدمير أجزاء كبيرة من العاصمة، بادر الرئيس فؤاد السنيورة إلى التمني على سفير الكويت آنذاك لدى لبنان، عبدالعال القناعي، من أجل أن يتمنى على صاحب السمو أمير البلاد حينئذ المغفور له الشيخ صباح الأحمد أن ينظر بعين العطف لجهة تبني دولة الكويت إعادة إعمار هذه الصوامع، مستنداً بذلك إلى العلاقات الأخوية العميقة بين البلدين، والتي تمتد إلى عشرينيات القرن الماضي.

وفي 22 أغسطس 2020، لفت عميد السلك الدبلوماسي العربي في لبنان حينها، السفير القناعي، إلى أن «الكويت ستعيد بناء إهراءات القمح في مرفأ بيروت، لتظل عنواناً شامخاً للأخوة، ولكيفية إدارة العلاقات بين البلدين الشقيقين، إذ يحترم أحدهما الآخر، ويشعر الأخ بأخيه».

وفي حديث لـ «إذاعة لبنان»، قال القناعي: «إننا ارتأينا أن أفضل طريقة وأنسب مجال للبدء في المساعدات المادية، هي إعادة بناء الإهراءات التي توفر المخزون الاستراتيجي من القمح للبنان الشقيق»، مبيناً أن «هذه الإهراءات بنيت أساساً في عام 1969 بقرض من الكويت، من الصندوق الكويتي للتنمية، ولذلك ارتأينا الإعلان عن إعادة بنائها لتستمر بتوفير المخزون الاستراتيجي من القمح للشعب اللبناني».

وفي 5 أغسطس 2020، أجرى سمو رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ صباح الخالد اتصالاً هاتفياً برئيس مجلس الوزراء اللبناني السابق حسان دياب، أكد خلاله أن «الكويت حكومة وشعباً، وبناءً على حرص وتوجيهات صاحب السمو الأمير (الراحل) الشيخ صباح الأحمد (طيب الله ثراه)، وسمو نائب الأمير وولي العهد (حينئذ) الشيخ نواف الأحمد، ستقدم كل الدعم، وستعمل على توفير كل المستلزمات الضرورية في مواجهة تداعيات هذا الحادث الأليم للأشقاء في لبنان».

وفي افتتاح أعمال مؤتمر المانحين المخصص لدعم لبنان في باريس، الذي عقد 9 أغسطس 2020، قال صباح الخالد، الذي ترأس وفد الكويت في المؤتمر بمشاركة وزير الخارجية حينئذ أحمد الناصر: «لقد بادرت الكويت انطلاقاً من وقوفها وتضامنها مع لبنان الشقيق وبتوجيهات سامية من سمو نائب الأمير وولي العهد الشيخ نواف الأحمد، بتقديم المساعدات الإغاثية للبنان الشقيق منذ وقوع الانفجار عبر جسر جوي، ويسرني أن أعلن استعداد الكويت لتقديم الدعم في مواجهة هذه الكارثة بالتزامات مسبقة على الصندوق الكويتي للتنمية يعاد تخصيصها لمصلحة لبنان بنحو 30 مليون دولار سيتم التنسيق بشأنها مع السلطات اللبنانية لدعم الأمن الغذائي، فضلاً عن مساعدات طبية وغذائية عاجلة تصل إلى 11 مليون دولار، إضافة إلى تبرعات الجمعيات الخيرية الكويتية».

وفي 12 أغسطس من العام نفسه، جددت الكويت، على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة السفير منصور العتيبي في الاجتماع الافتراضي الذي نظمه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حول الوضع الإنساني في لبنان: «استمرارها في الوقوف بجانب اللبنانيين ودعمهم بأي طريقة ممكنة حتى إعادة بناء بيروت»، مؤكدة أنها ستظل ثابتة في «التزامها وتضامنها بدعم لبنان وشعبه خلال هذا الوقت الصعب الذي يكافح فيه للتعافي من حادث التفجير المدمر».

وقال العتيبي: «عقب التفجيرات المأساوية، أعطى سمو نائب الأمير وولي العهد (وقتئذ) الشيخ نواف الأحمد تعليمات فورية على مستوى الدولة لتقديم العون والمساعدة الإنسانية لإخواننا وأخواتنا في لبنان».

وفي اليوم نفسه، أعلن المدير العام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية عبد الوهاب البدر، استعداده لتقديم الدعم للبنان في مواجهة تبعات انفجار مرفأ بيروت عبر التزامات مسبقة يعاد تخصيصها لمصلحة لبنان بنحو 30 مليون دولار لخدمة المشاريع سيتم التنسيق بشأنها مع المسؤولين هناك.

وقال البدر إنه «بعد كلمة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد في المؤتمر الدولي لمساعدة ودعم بيروت والشعب اللبناني، هناك اتصالات جارية مع المسؤولين في لبنان لوضع آلية واضحة تأخذ بعين الاعتبار حاجة الشعب للمشاريع ذات الأهمية، وسيتم أخذ القرار المناسب لأي مشروع له الأولوية».

وأثار أخيراً، طلب وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال في لبنان أمين سلام، غضب الحكومة الكويتية برسالته التي قال إنه أرسلها منذ 3 أسابيع إلى سمو أمير الكويت يناشده فيها إعادة بناء صوامع القمح، قائلاً في تصريحات إعلامية: «نحن نعول على دعم الكويت لإتمام المبادرة التي أطلقها الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، ببناء الصوامع... طلب هذا الأمر لشعب لبنان وليس للحكومة، لأن الخبز للناس ولا يجوز أن يترك بلد عربي دون مخزون استراتيجي»، مضيفاً أن «الأموال موجودة في صندوق التنمية الكويتي، وبجرة قلم، يمكن أن يتخذ القرار بإعادة بناء الصوامع».

إلا أن سلام، عاد وأكد: «لم أقصد الإساءة للعمل الدستوري في الكويت، والالتباس كان على تعبير معين وأوضحت الكلام، إننا نتحدث عن موضوع إنساني، وأنا خاطبت الكويت من منطلق محبة»، مشدداً على «أنني لن أقبل أن أكون السبب في أزمة دبلوماسية مع الكويت».

وسبق ذلك أن حصل لبنان على أول قرض من الصندوق الكويتي بتاريخ 4 يوليو 1966 بقيمة 5 ملايين دولار لإنشاء محطة كهرباء.