يقول د. الحربي: وقال الدكتور خليفة الوقيان «يَعُدُّ الوهابيون مَن تقبّل دعوتهم داخلا في الإسلام، ومن يخالفهم مرتدا». ولم يَعزُ الدكتور هذه المسألة المهمة الى أي مصدر صريح، وأما ما عزاه الى تاريخ ابن غنام فلا يطابق دعواه التي أطلقها (1).

وسوف أبين فيما يلي السياق الذي وردت فيه تلك الجملة، والمصدر الذي استشهدت به لتأكيد صحتها.

قلت: «ذكر الشيخ عبدالعزيز الرشيد الذي شهد معركة الجهراء أن منديل بن غنيمان - النائب عن قائد الإخوان فيصل الدويش - قال للشيخ سالم حاكم الكويت: «إن الدويش يريد مسالمتكم، وهو يدعوكم الى الإسلام، وترك المنكرات والدخان، والى تكفير الأتراك (2) ثم وضعت بعد هذه الفقرة حاشية تقول « يَعُدُّ الإخوان مَن يقبل دعوتهم داخلا في الإسلام»، .. إلخ، فما معنى قول نائب قائد الإخوان «يدعوكم الى الإسلام»؟ هل كان الكويتيون غير داخلين في الإسلام قبل دعوته تلك، وما معنى طلب تكفير الأتراك، الذين لا يجوز تكفيرهم؟

Ad

وسوف أذكر، فيما يلي، المصدر الذي استشهدت بقوله، وهو مؤرخ الدعوة الوهابية وتلميذ الشيخ محمد بن عبدالوهاب - حسين بن غنام في كتابه «روضة الأفكار والأفهام» لمرتاد حال الإمام وغزوات ذوي الإسلام «تاريخ نجد» يقول ما نصه: «وفي أواخر هذه السنة (1166 هـ)، ارتد أهل منفوحة، ونبذوا عهد المسلمين، وحين رأى الشيخ محمد بن عبدالوهاب تظاهر بعض أهل البلاد بالضلال، وارتداد من ارتد منهم عن التوحيد، جمع في هذه السنة (1167 هـ) أهل الإسلام...» (3).

ويقول حسين بن غنام عن فتح حريملا «ودخل المسلمون البلدة، وصارت البلدة فيئا من الله، ودورها ونخيلها غنيمة للمسلمين». (4).

فكيف لم أعزُ هذه المسألة المهمة الى مصدر صريح؟ هل يريد منّي الاستشهاد بالمصادر المعادية، بدلا من الاستشهاد بمؤرخ الدعوة الوهابية، المدافع عنها ضد خصومها، هل يريد مزيدا من الشواهد الدالة على وصف من يخالف الدعوة بالمرتد... ومن يؤيدها بأنه دخل في الاسلام، أي انه لم يكن داخلا في الإسلام من قبل؟

1 - يقول حسين بن غنام (مؤرخ الوهابية) عن حوادث سنة ستين بعد الألف والمئة... وفي السنة المسطورة ايضا جرت وقعة عظيمة تسمى وقعة البطين. وتناشبت الرجال وضاق مجال القتال، وخرج إذ ذاك عليهم الكمين، فولَّى الكفار مدبرين، ومنح الله تعالى المسلمين أكتافهم وقتل أشرافهم» (5).

2 - وفي تلك السنة «غزا المسلمون ثرمدا... ولم يخرج من أهل البلد للقتال إنسان، فدمر المسلمون المزارع» (6).

3 - وفي حوادث السنة الثالثة والستين بعد المئة والألف «وفيها ارتد إبراهيم بن محمد بن عبدالرحمن أمير ضرما، ورجع عن الإسلام» (7).

4 - وفي حوادث السنة الخامسة والستين بعد المئة والألف «وفيها وقعت من أهل حريملا الردة والافتتان.. (8)، واستنشق الشيخ (أي الشيخ محمد بن عبدالوهاب) من أخيه سليمان انه لأسباب الردة معوان...»(9).

5 - وفي حوادث السنة الثامنة بعد المئتين والألف يقول: «وفيها غزا إبراهيم بن عفيصان بأهل الخرج والعارض وأهل سدير، فشمر ساعده للجد في السير حتى وصل الى بلد الكويت بعد الهجوع... أغارت خيول المسلمين فخرج مقاتلة أهل البلد مجتمعين، وناوشوا المسلمين للقتال... وقتل المسلمون منهم نحو الثلاثين، وأخذوا عليهم غنما كثيرة وأسلحة ثمينة شهيرة، ورجعوا الى بلادهم فائزين، وللمال والأجر حائزين» (10).

وسوف أكتفي بهذا القدر من الشواهد، ولن ألجا الى الاستشهاد بالمصادر المعادية لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

الوهابية موضع حوار في الكويت

يقول د. الحربي: «قال الدكتور خليفة الوقيان، وهو أحد رموز الليبرالية في الكويت، «ويبدو أن الأفكار التي نادت بها الدعوة السلفية الوهابية في بداية ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب كانت موضع حوار في الكويت، ولعلها كانت محل تشكيك وعدم قبول بسبب تعارضها مع طبيعة الانفتاح والتسامح التي سادت المجتمع الكويتي».

«ويبدو أن بعض علماء الكويت كانوا متأثرين بأعداء الدعوة الوهابية أكثر من تأثرهم بدعاتها، فالشيخ عثمان بن سند (1766- 1827م) الذي عاش في زمن الشيخ عبدالله بن صباح كان يجاهر بسبّ الوهابيين».

وأقول في الرد على هذا الموضوع:

أ - إنني أعتز بكوني من رموز الليبرالية والاتجاه العروبي، يقول أبوعبادة البحتري:

إذا مَحَاسِنيَ اللاّتي أُدِلُّ بِهَا... كانَتْ ذُنُوبي فقُلْ لي كَيفَ أعتَذرُ

ومن المعلوم أن الأنظمة الليبرالية والعلمانية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا هي التي سمحت للمسلمين بإقامة المساجد والمراكز الدعوية، ولو كانت تلك الأنظمة دينية الهوية لما قُدر للإسلام أن ينتشر هناك بالقدر الذي حدث.

ب - لم يعجب د. الحربي قولي المتحفظ... يبدو أن الأفكار التي نادت بها الدعوة السلفية الوهابية... كانت موضع حوار في الكويت، ولعلها كانت محل تشكيك وعدم قبول... تُرى ما موقفه لو أني قلت عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعض أو أخفَّ ما قاله معارضوه من كبار علماء نجد من تسفيه له واتهامه بالجهل والضلال.

كنت أتوقع منه تقدير الخطاب الموضوعي الموثق الذي ناقشت فيه عدم ملاءمة الاتجاه المتشدد ذي المنطلقات الفكرية المستقاة من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لطبيعة المجتمع الكويتي.

وسوف أستشهد فيما يلي بمثالين مما قاله بعض علماء نجد والأحساء عن الشيخ محمد وما كنت راغباً في ذلك الاستشهاد، لولا أن د. الحربي ألجأني إليه عندما قال: «وأما ما عزاه إلى تاريخ ابن غنام فلا يطابق دعواه التي أطلقها».

من رسالة سليمان بن سحيم:

«فالذي يحيط به علمكم أنه قد خرج في قُطرنا رجل مبتدع، جاهل، مُضِلٌّ ضالٌّ من بضاعة العلم والتقوى، عاطل جرت منه أمور فضيحة، وأحوال شنيعة... ومنها أنه يقول: الناس من ستمئة سنة ليسوا على شيء. وتصديق ذلك أنه بعث إليَّ كتاباً يقول فيه: أَقِرّوا أنكم قَبلي جُهّال ضُلّال...» (11). ونلاحظ أن العنف اللفظي تجاه الآخر سمة مألوفة لدى كثير ممن يسمون «علماء الدين».

ومن الواضح أن ابن سحيم أسرف في ذم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ويعلق محقق تاريخ نجد - سليمان بن صالح الخراشي على رسالة ابن سحيم الطويلة بقوله في الحاشية: «هذا من إنصاف الشيخ ابن غنام، رحمه الله، إذ يورد رسالة هذا المناوئ للدعوة السلفية، وهي في غالبها مجرد افتراءات لا تستحق الالتفات» (12).

ويقول العالم الأحسائي الشهير عبدالله بن محمد بن عبداللطيف جواباً عن سؤال ورد عليه من الكويت في عام 1174هـ - 1760م، والشيخ عبدالله أحد أساتذة الشيخ محمد عبدالوهاب: «ورد عليَّ سؤال من بلدة الكويت في شأن نجدي استهوى عقول بعضٍ فكأنهم سقوا الكُميت.

نشأ ببلاد العارض وتنشى غيمه وغيه من تلك الجهة، فاستقبل أوديتهم، وقالوا ما قالت عاد هذا عارض فكان ريحاً عقيماً، لا يذر من تلك العقول شيئاً أتى عليه إلا جعله رميما.

ونرق لمن خالفه أديما، ولم يرضَ به نديما، وأظهر التجسيم واعتقاد الجهة للباري، وزعم استقراره على العرش تعالى عن ذلك وقال هل من مبارز ومبارٍ، وفاه بضلاله الذي أفسد مشاعره بكفر الفرقة الناجية الماتريدية والأشاعرة، وهذا من بعض ما عنه أشيع من القول الشنيع، وطُلب مني بيان حاله وإبطال محاله فأمسكت عن الجواب آخذاً بلجام قلمي، ومطبقاً عن التفوه في أمره فمي ظناً أن تلك أقاويل مزخرفة، وأباطيل محرّفة، أنشأها حاسد، وأفشاها معاند، فاستصلحت الإمساك علماً بأن القول أحياناً ما فيه مساك، فلما اشتهرت بدعته، وانتشرت شنعته، ورفع إليَّ السؤال مرات، وأقيم لي على ما استحلاه من البدعة أمارات غير مرات رأيت أنه لابد من إشراع الشراع، ومكابدة موج ذلك البحر... إلخ» (13).

وعلى الرغم من شدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مخاطبة مخالفيه فقد كان رقيقاً وهو يخاطب أستاذه عبدالله بن عبداللطيف ويعاتبه، ولعله كان يأمل دفعه إلى تخفيف انتقاده له، ويقول: «فقد وصل إلينا من ناحيتكم مكاتيب فيها إنكار وتغليظ عليَّ، ولما قيل إنك كَتبتَ معهم وقع في الخاطر بعض الشيء، لأن الله سبحانه نشر لك من الذكر الجميل، وأنزل في قلوب عباده لك من المحبة ما لم يُؤتَه كثير من الناس، لما يُذكر عنك من مخالفة مَنْ قبلك من حكام السوء، وأيضاً لما أعلم منك من محبة الله ورسوله...»(14).

وليس يخفى على د. الحربي وغيره عدد علماء نجد والأحساء وبقية أقاليم البلاد السعودية الذين أهدرت دماؤهم، أو أجبروا على الهجرة، أو اختاروها نأياً بأنفسهم عن الدخول في صراع مع أنصار الدعوة الوهابية المتشددين.

ج - يقول د. الحربي عني «ولم يتطرق في بحثه إلى العقائد المنتشرة في العالم الإسلامي وما تحويه من خرافات وبدع مخالفة بذلك العقيدة الإسلامية الصحيحة، وذكر عدم قبول أهل الكويت لدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، ولم يذكر منهم إلا ابن سند وابن شطي فقط» (15).

وأقول: إن عنوان دراستي هو «الثقافة في الكويت... بواكير اتجاهات ريادات» فما علاقة العقائد والخرافات والبدع المنتشرة في العالم الإسلامي بموضوع دراستي، ولو فعلتُ ما طلبه مني لتحولت الدراسة إلى كشكول، أو «زبيل قرقيعان» كما يفعل بعضهم.

د - لم أذكر أحداً اسمه (ابن شطي) فليس في الكويت عالم بهذا الاسم في بداية ظهور الدعوة الوهابية، ولا أدري من أين أتى به.

وإن أراد د. الحربي مزيداً من الأمثلة الدالة على تشكيك الكويتيين في الدعوة الوهابية في بداية ظهورها فسوف أذكرها مع أن معظمها مذكور في كتابي «الثقافة في الكويت».

1 - في بداية قيام الكيان الكويتي، وفي عام 1760 تحديداً أرسل الكويتيون رسالة إلى الشيخ عبدالله بن محمد بن عبداللطيف يسألونه عن رأيه في الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهم يعرفون مدى تسفيهه لدعوته، وقد استشهدت بسطور من رده عليهم.

2 - نشر حسين بن غنام في تاريخه رداً من الشيخ محمد بن عبدالوهاب موجهاً إلى من أسماه ابن صباح - وقيل إن المقصود هو الشيخ عبدالله بن صباح، الحاكم الثاني للكويت (16)، ويتضمن ذلك الرد دفاعاً من الشيخ محمد عن نفسه إذ يقول: «إن ابن صباح سألني عما ينسب إليَّ فأجبته، فطلب مني أن أكتب له في ورقة فكتبت له: الحمد لله، أما بعد: فما ذكره المشركون عني أني أنهي عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو أني أقول لو أن لي أمراً هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أني أتكلم في الصالحين، أو أنهي عن محبتهم فكل هذا كذب وبهتان...» (17).

فإن صح أن هذه الرسالة موجهة إلى الشيخ عبدالله بن صباح فذلك يعني أنه كان ممن يضعون الدعوة الوهابية موضع التشكيك والتساؤل.

ولو أن الشيخ عبدالله قَبِلَ الدعوة الوهابية لما تعرضت الكويت في عهده إلى عدة غزوات وهابية.

3 - ذكرت في كتاب الثقافة في الكويت أربعة أعلام من المعارضين أو غير المؤيدين للدعوة الوهابية، ثلاثة منهم من علماء الدين، أما الرابع فهو حاكم الكويت وهم:

1 - الشيخ عثمان بن سند.

2 - الشيخ عبدالله بن حسين العوضي.

3 - الشيخ مساعد العازمي «غير متعصب لها» (18).

4 - الشيخ سالم المبارك الصباح.

5 - أشار د. الحربي إلى الشيخ سيف العتيقي، وقال عنه «كان معارضاً للدعوة الإصلاحية (19).

يضاف إلى ذلك ما قاله مدحت باشا في تقرير له إلى الصدر الأعظم مؤرخ في 22 من كانون الأول (ديسمبر) 1887م «إن الكويتيين لا يوجد بينهم وهابيون...» (20).

أما المؤرخ الكويتي بدر خالد البدر فقال إن «ابتعاد الكويتيين عن اعتناق المذهب الوهابي أبعد عنهم كابوس النفوذ التركي» (21).

وهذه الأمثلة مذكورة في كتابي الثقافة في الكويت وفي الدراسة التي نشرتها في ملحق القبس الثقافي، وقد اطلع د. الحربي على الدراستين واقتبس منهما، ثم قال إني لم أذكر من المخالفين سوى اثنين واخطأ في اسم أحدهما.

يقول د. الحربي: «لم يتبع الدكتور تسمية معينة لأنصار دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب ولم يضع لها تعريفاً خاصاً وضابطاً معيناً للتمييز بينها وبين إخوان من طاع الله... مرة يصفهم بالوهابيين أو الإخوان أو الإخوان الوهابيين» (22).

وأقول: إن اختلاف التسميات ناتج عن اختلافها في النصوص المقتبسة التي استشهدت بها، ونسبتها إلى مصادرها، ولا يحق لي تغييرها، فضلاً عن اختلاف المراحل التاريخية التي تشير إليها الدراسة.

وبسبب التداخل بين مسمى الوهابيين في بداية الدعوة، وإخوان من طاع الله الحاملين للفكر الوهابي أو المسترشدين به لذلك تأتي الإشارة إليهم بادئ الأمر باسم الوهابيين، ثم باسم الإخوان أو الإخوان الوهابيين.

يستخدم المؤرخ السعودي د. خالد حمود السعدون مسمى «الإخوان» بقوله «كان الإخوان يتطلعون إلى نشر آرائهم ونمط حياتهم في المناطق المجاورة وخصوا في تطلعهم ذلك الكويت باهتمام كبير، امتزج بعدم الرضا عن سياسة حاكمها ومسلكه تجاههم، إذ كانوا يلقون عند ذهابهم إلى الكويت طلباً للمؤن الازدراء والتشنيع عليهم من أهل الكويت وأوساطها الرسمية (23).

أما الشيخ عبدالعزيز الرشيد فيشير إلى الإخوان باسم «الوهابيين» في قوله: «نفرة سالم - يقصد أمير الكويت - من الوهابيين وعقده لبعض معتقديه مجالس الوعظ التي يرميهم فيها بفساد العقيدة والجهل والتعصب وهو شاهد (24).

كما وصف أمين الريحاني الإخوان بالوهابيين في قوله عن الشيخ سالم، وقيل «إنه يكره الوهابيين والإخوان ولا يتقي» (25).

فلماذا لم يعترض د. الحربي على تسمية إخوان من طاع الله بالوهابيين عند الشيخ عبدالعزيز الرشيد وغيره، على حين يستنكر عليَّ الاستشهاد بنصوص تذكرهم بهذا المسمى كذلك لم يعترض على الاستاذ حمد السعيدان في النص الطويل، الذي استشهد به مرتين في كتابه... إذ يقول عن إخوان من طاع الله وغزوهم الأراضي المجاورة لنجد لغرض الإصلاح الاجتماعي والدعوة إلى اعتناق المذهب الوهابي (26) بل إن د. الحربي لم يقدّر ما قلته حين شككت بكره الشيخ سالم بن مبارك للوهابية، إذ قلت بعد الاستشهاد بآراء الشيخ عبدالعزيز الرشيد وأمين الريحاني عن الإخوان الوهابيين حسب تسميتهم: «ويبدو أن هذا القول غير مؤكد، فالمعروف عن الشيخ سالم أنه كان شديد التدين، فضلاً عن إعجابه بالشيخ أحمد الفارسي المتشدد وتأثره بآرائه ومن غير المتوقع أن يرمي الوهابيين بالجهل والتعصب، ولعله كان مستعداً لقبول بعض مطالبهم، ثم استشهدت بقول المؤرخ السعودي خالد السعدون، ولكنه ربما تخوف مما سيلاقيه من معارضة قوية من أفراد عائلته وأغلب أفراد شعبه (27).

ويبدو أن د. الحربي بحث عن مؤيدين للدعوة الوهابية في الكويت عند بدء ظهورها فلم يجد أحداً فلجأ الى الاستشهاد بترجمة كتبها (عثمان بن بشر - مؤلف كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد عن الوجيه الكويتي الحاج يوسف البدر يقول: إن أمامنا موقفين متعارضين تجاه الدعوة الإصلاحية «إيجابي وسلبي»، ونظراً إلى شح المصادر التي تناولت هذه المرحلة القريبة من ظهور الدعوة الإصلاحية، كان هناك غموض يكتنف الحالة الثقافية والدينية في الكويت، لذلك نقول: إن موقف الكويت من الدعوة الإصلاحية في بداية نشأتها كانت كحال أي بلد إسلامي لم تستبن ملامح الدعوة كاملة أمامه فكان موقف أهله بين مؤيد ومعارض، كما هو موقف العالمين ابن سند والطبطبائي، ومما يعزز هذا الرأي ما كتبه ابن بشر في ترجمة يوسف البدر، أحد وجهاء الكويت وأعلامها، وقد كتب هذه الترجمة في صفحتين، مما يكشف عن وجود علاقة طيبة وتواصل لم ينقطع وقبول من الطرفين، لاسيما إذا عرفنا ان ابن بشر مؤرخ الدولة السعودية وتلميذ علماء الدعوة النجدية يقول ابن بشر «ثم انه سنح لي أن أرسم فضيلة ومنقبة لكهلٍ شاب ارتوى من العلم والآداب، قد اشتهر بإحسانه وفضله، وجوده وكرمه وبذله، غمرت مكارمه القريب والبعيد وشجرة معروفة لكل مؤمل ومريد، فالألسن بالثناء عليه ناطفة، والقلوب على محبته متطابقة محط رحال الوافدين، وملاذ القاصدين والواردين الشيخ يوسف بن عبدالمحسن بن عثمان بن يوسف بن بدر البدري الوائلي، فأردت أن أرسم له فضيلة تنبئ عن معروفه وإحسانه، ولاسيما اشتهار جرثومة نسبه وحسبه وبيانه، تبقى له الى آخر الدهر، ويتحدث بهما في كل زمان وعصر في محافل الملوك والأمراء والتجار والرؤساء والعلماء الأخيار، حتى يشار الى أصله وفضله بعد حين، وعشيرته وأجداده على تطاول الأزمان والسنين».

انتهى كلام د. الحربي بنصه الذي اضطررت الى الاستشهاد به كاملا، حتى لا يقول إنني اجتزأت قوله، كما اجتزأ هو أقوالي.

وهذا النص الطويل لا يدل على أن الوجيه الحاج يوسف البدر من المؤيدين للدعوة الوهابية، أما العلاقة الطيبة والتواصل بين الناس والمحبة فلا تدل على التوافق الفكري بين الطرفين، وبإمكان من يريد التعرف على ثقافة التسامح لدى الحاج يوسف البدر أن يتأمل قول لويس بيلي عنه: مكنتني إقامتي في الكويت من رؤية الداخل، والحياة اليومية في بيت شيخ عربي، ولا أعتقد أن هناك جنتلمان إنكليزيا يمكن أن يكون ودودا ومضيافا مثل يوسف البدر، ومع أن الشيخ متشدد جدا في أمور الدين، فقد سمح لنفسه بأن يقرأ عن الديانات الأخرى» (29).

وحيث إن د. الحربي لم يجد من المؤيدين للدعوة الوهابية سوى شاعر واحد هو السيد عبدالجليل الطبطبائي، فسوف أبيّن له فيما يلي الظروف المتعلقة بكتابة القصيدة التي أثنى فيها السيد عبدالجليل على الشيخ محمد بن عبدالوهاب، علما بأن شيخه الذي أجازه هو الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز، ألد أعداء الإسلام والتوحيد - أي «الوهابية» - حسب تسمية المؤرخ عثمان بن بشر له. (30).

1 - لم يكن السيد عبدالجليل قد هاجر الى الكويت حين كتب تلك القصيدة، إذ انه انتقاله الى الكويت كان عام 1843م، وكان مع آل خليفة في الزبارة حين استولى عليها سليمان بن سيف بن طوق عام1224هـ - 1809م وقبض على آل خليفة وأخرجهم إلى الدرعية كرها ومعهم السيد عبدالجليل.

يقول ابن السيد عبدالجليل الذي جمع ديوانه إن القائد سليمان بن سيف بن طوق أرسل الى السيد عبدالجليل كتابا يقول فيه:

من سليمان بن سيف الى الأخ عبدالجليل سلام عليكم، وبعد، فإن أخاك فلانا نظم قصيدة قائمة المعنى، مائلة اللفظ، فأصلحها على الميزان العربي، ولما اطّلع عبدالجليل على القصيدة رآها مشتملة على هجاء جماعة من أصحابه وغيرهم، فاستنكف عن إصلاحها، ودافع سليمان بكل وجه لئلا يشارك قائلها في سوء صنيعه. وبعد أن طالت المجادلة بينهما، وعلم سليمان منه الامتناع، أظهر له الغلظة وأخافه وحكم عليه بإصلاحها. فقال له السيد عبدالجليل: إني أعمل قصيدة أخرى غيرها، وصاحب هذه القصيدة يجد مَن يصلح له قصيدته، فرضي منه القائد بذلك، ونظم صاحب هذا الديوان القصيدة الميمية الآتية:

تباركت يا مولى الملوك الأعاظم

وعزّيت يا مبدي الجميل وراحمي (31)

فالسيد عبدالجليل اضطر إلى كتابة تلك القصيدة بسبب وقوعه في الأسر وتهديد القائد الوهابي له، إن لم يصلح القصيدة التي كتبها شخص هجا فيها جماعة من أصحابه.

والسيد عبدالجليل الطبطبائي متأثر بوالده السيد ياسين الذي أصدر ديوان شعر ضم قصائد عديدة في ذم الوهابية، والديوان مطبوع بعناية د. محمد الطبطبائي.

وإذا كان السيد عبدالجليل الطبطبائي قد كتب قصيدة في مدح الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحت ظرف التهديد، فقد كتب باختياره قصيدة يخاطب فيها شيخه محمد بن عبدالله بن فيروز، عدو الوهابية، طالبا منه إجازته، وفيها بسط لفضائله ووصف له بأنه الإمام المجدد المحارب للبدع يقول:

من أصبح العلم به مشيّدا

إذا كان قبل ركنه تهددا

فقد أعاد رسمه وأحيا

وكان ميتا عُدّ بين الأحيا

فأسفرت به وجوه الكتب

لما نفى عنها ظلام الرّيَب

جدّد أمر الدين بعدما وهى

فهو الذي اليوم إليه المنتهى

من لم يزل يَذبّ عن ذا الدين

بكل نص قاطع مبين

فطالما أطفى لهيب البدع

إذ كَلَّ كلُّ أسوس وأروع

قطب ذوي التحقيق والعرفان

طاعت له شوارد المعاني

عنيت من علياه لن تُضاهى

شيخي ومولاي سَميّ طه

من اصطفى من آل فيروز الكرام

هو ابن عبدالله ذو المجد الهمام (32)

وحين يتعذّر إضافة السيد عبدالجليل الى العلماء المؤيدين للدعوة الوهابية في الكويت مع بداية ظهورها، فلن يبقى للدكتور الحربي عالم كويتي واحد يستشهد بتأييده لها.

وقد يأتي د. الحربي بأسماء علماء أو مطاوعة ظهروا في مراحل لاحقة بالكويت، ويقول عنهم إنهم يؤيدون الوهابية، فنقول له إن المراحل اللاحقة لا تدخل ضمن الإطار الزمني لدراستي التي تُعنى بتوثيق ما يتعلّق بالبواكير، وقد اضطررت لتكرار هذه الحقيقة المنهجية للدكتور الحربي ومن يرى رأيه ويتبع منهجه القائم على عدم التمييز بين المراحل، ومن ثم مطالبة الآخرين بأن يفعلوا فعلهم في التخليط بين الأزمنة والموضوعات البعيدة عن صلب ما وعدوا بدراسته.

وبعد، فهل نقول للدكتور الحربي إن هناك علماء ومطاوعة وطلاب علم آخرين لم يقبلوا بعض آراء الشيخ محمد بن عبدالوهاب إن لم نقل كثيرا منها، ومنهم من صرح بذلك، ومنهم من اكتفى بالهجرة الى الكويت وغيرها من البلدان.

وثمة فئة من الإسلاميين في الكويت يصارحونني بانتقاداتهم لكثير من آراء الوهابيين، ولكنهم لا يريدون الدخول في جدال معهم، وخاصة حينما يكونون من الصبية الذين لم يصيبوا من العلم الشرعي سوى قشور استمعوا اليها خلال الدروس الحزبية، فهم لا يمتلكون القدرة على القراءة ودفع الحجة بالحجة، فيلجأون الى اللغة المتدنية والبذاءات في مواجهة الآخر.

وإذا ما تجازونا الفصل الثالث الذي خصصه د. الحربي للرد على ما ذكرت فسوف نجد في بقية فصول دراسته خليطاً من الموضوعات التي لا تتصل بعنوانها «الحركة الإصلاحية في الكويت»، وسوف نحاوره في بعضها ونترك بعضاً آخر لفطنة القراء، مع تجاوز الأخطاء اللغوية التي يقع فيها، إذ سوف نكتفي بوضع بعضها بين قوسين.

البيئة الدينية والثقافية في الكويت

1 - يبدأ د. الحربي الصحفة الأولى، الحاشية 1، من الفصل الأول بعد المقدمة، بالقول: «الصوفية مستنقع آسن للظواهر المنحرفة عن الإسلام...» (33).

2 - وفي الفصل الأول أيضاً، وتحت عنوان «المذهب الرسمي للدولة» يُصرّ على أن «العتوب والذين منهم أسرة آل الصباح حنابلة المذهب، ولم يكونوا مالكية كما هو مشاع (34)»، ويستشهد في رأيه هذا بالمقالة التي نشرها الأستاذ عبدالرحمن وليد السلامة في مجلة البروة الكويتية، حيث تستند تلك المقالة إلى وثيقة الوالي العثماني للبصرة عن العتوب والخليفات، وأنهما من أهل المذهب الشافعي والحنبلي، ويُسقط د. الحربي منها الشافعي ويُبقي الحنبلي، كما يتجاهل بقية المصادر التي تذهب إلى أن مذهب الأسرة الحاكمة في الكويت، إن لم نقل العتوب، هو المذهب المالكي، بل إن المؤلف يشير إلى ما ذكره الشيخ سالم المبارك الصباح عن مذهبه بقوله: «وأما القصة التي تُذكر عن حاكم الكويت سالم المبارك لما سُئل عن مذهبه فأرسل للسائل موطّأ مالك، فمن وجهة نظري أن ذلك نتيجة الخلافات السياسية بينه وبين الملك عبدالعزيز، فهو اختيار سياسي وليس مذهبياً».

(35) ولا تعليق على هذا الاستنباط الغريب سوى استغراب وصف ما يقوله أي شخص عن مذهبه بالـ (قصة) وأنه اختيار سياسي.

أما دليله الآخر على كون العتوب والأسرة الحاكمة في الكويت حنابلة فهو ما أشار إليه بأن القاضيين الأول والثاني في الكويت، وهما محمد بن فيروز وأحمد العبدالجليل من الحنابلة، وهو يتجاوز عن كون معظم قضاة الكويت من أسرة العدساني الشافعية، يضاف إليهم الشيخ يوسف بن عيسى، وهو شافعي أيضاً.

وسوف نكتفي بعرض وجهة نظر الباحث الأستاذ عبدالوهاب راشد الهارون عن هذا الموضوع، إذ يقول: «إن المهاجرين الأوائل للكويت وقراها الجنوبية كانوا من الأحساء وقطر والبحرين حيث جلبوا معهم ثقافتهم».

كما يقول: «تظهر العلاقات بين الكويت والأحساء جليّة في المجالات الثقافية والقضائية والعلوم الشرعية والتنظيم الإداري، فبعد أن تكوّن المجتمع الصغير نجد أن أغلب رجال القضاء الذين استعين بهم في المراحل الأولى لإمارة الكويت جاؤوا من الأحساء، وكان على رأس هؤلاء أول قاضٍ في الكويت، وهو الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن عبدالله بن فيروز بسام التميمي الحنبلي... ثم انتقل مع أهله إلى الأحساء، وبعدها انتقل إلى الكويت ليتولى قضاءها.

وخلفه في القضاء تلميذه أحمد بن عبدلله آل عبدالجليل، ثم تولى القضاء في الكويت بعد ذلك قضاة آخرون من أصول أحسائية وهم من أسرة العدساني.

أما المذهب المنتشر في الكويت، فيقول عنه الأستاذ الهارون: «ويبدو أن المذهب المالكي كان منتشراً في أوساط المشتغلين بالعلم في الكويت وفيلكا، وهو مذهب وصل إلى الأحساء في زمن الدولة الجبرية في القرن السادس عشر الميلادي، ومنها انتشر في الخليج، واتخذه بنو خالد والعتوب وغيرهما مذهباً لهم»(36).

ويعزز الأستاذ الهارون رأيه هذا بقوله «ويدل على هذا الانتشار مخطوطة كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، التي نسخها في سنة 1683م الشيخ مسيعيد بن مساعد بن سالم - نزيل فيلكا، ومخطوطة (أوضح المسالك في فقه الإمام مالك) للشيخ عثمان بن سند، ومخطوطة (رسالة القيرواني) في الفقه المالكي نسخها الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر في تاريخ 19 من شوال 1138هـ الموافق 30 يونيو 1726م» (37).

إن الجدل الذي لا طائل من ورائه بشأن مذهب العتوب والأسرة الحاكمة في الكويت، وأنهم حنابلة ناتج عن تَعصُّب الباحث للمذهب الحنبلي، وعدم إدراكه أن مجتمعه الكويتي قائم منذ نشأته على التنوع والتعايش بين مكوناته السنية والشيعية والصوفية، كما أن الصوفية لا ينظر إليها بأنها «مستنقع آسن للظواهر المنحرفة عن الإسلام» حسب تعبيره. بل إن اليهود كانوا يعيشون في الكويت بأمان وطمأنينة، أما المسيحيون فكان علماء الدين المستنيرون يهنئونهم بعيد ميلاد السيد المسيح، إذ روي أن «الشيخ عبدالله النوري كان يمر على زميليه من علماء الدين والقضاة المعروفين الشيخ عبدالعزيز حمادة والشيخ عطية الأثري في يوم 25 من ديسمبر، حيث يتوجه هؤلاء العلماء الثلاثة إلى إخوانهما من المسيحيين الكويتيين يعقوب شماس وسليمان شماس لتهنئتهما بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح» (38).

موقف علماء الكويت من الشيعة

يقول د. الحربي تحت هذا العنوان «الخلاف بين السنة والشيعة خلاف قديم، وسيستمر لأنه خلاف في أصول العقيدة، وكذلك الدعوات التي نسمعها للتقارب، وإلغاء الفوارق، أو التنازل عن الأصول، هذه دعوات ليست واقعية، وهو ما لا يمكن أن يكون، لذلك نَدَع التقارب غير الواقعي إلى الواقعي، وهو الدعوة إلى التعايش السلمي.

... لكن مما لابد أن نذكره أن فرق الشيعة تتفاوت في اختلافها مع أهل السنة، فهي ليست على درجة واحدة كما ذكر الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، لذلك لما ظهر غلو وتطرف عند بعضهم تصدى له العلماء.

ويبدأ د. الحربي أمثلة التصدي بقوله:

«ومن أشهر المواقف العقدية والتاريخية بين أهل السنة وبعض متطرفي الشيعة (وهو) ما وقع بين العلامة عثمان بن سند (ت 1242 هجري) و(بين) دعبل الخزاعي (ت 246) الذي اشتهر بسب الصحابة في ديوانه، فكتب العالم ابن سند قصيدة طويلة عبارة عن (ألفين) ألفي بيت دفاعاً عن الصحابة رضي الله عنهم في كتابه «ديوان الصارم القرضاب في نحر من سب أكارم الأصحاب» (39).

ولما كان عنوان الموضوع «موقف علماء الكويت من الشيعة»، وعنوان الدراسة «الحركة الإصلاحية في الكويت»، وقول الباحث «ما وقع بين العلامة عثمان بن سند ودعبل الخزاعي، الأمر الذي يوحي لغير ذوي الاختصاص بأنهما متعاصران فقد لزم أن نوضح أن بين عثمان بن سند ودعبل الخزاعي نحو عشرة قرون، أي ان دعبل وجد في العصر العباسي على حين وجد عثمان بن سند في القرن التاسع عشر، فهذا الرد المستحق منه لا علاقة له بموقف علماء الكويت من الشيعة في الكويت، أما المثال الثاني الذي ذكره تحت عنوان «موقف عبدالعزيز الرشيد من مهدي القزويني، والأمثلة الأخرى التالية فهي تدخل ضمن إطار دراسته.

وصول دعوة محمد بن عبدالوهاب إلى الكويت

يرى الباحث أن غالبية العوائل الكويتية من نجد، ثم يصل إلى قوله «سبق أن قررت أن مذهب الغالبية في الكويت (حنابلة) فنتيجة طبيعية أن ما يحصل في نجد من إصلاح عقائدي ينعكس على الكويت.

وكان على الباحث أن يدرك أن ما يقرره هو ليس منتهى العلم والبحث وعين الحقيقة حتى يبني عليه أحكاماً أخرى، وهو يقصد بالإصلاح العقائدي دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ذلك أن تلك الدعوة لم تُقبل من جمهرة من كبار علماء نجد نفسها، مثل ابن فيروز، ابن عبداللطيف، ابن عفالق ابن سحيم، ابن سلوم...إلخ بل ان الشيخ سليمان بن عبدالوهاب لم يكتف بمعارضة دعوة أخيه الشيخ محمد بل ألّف في نقد دعوته كتابه «الصواعق الالهية في الرد على الوهابية»، فهل يلزم أن يكون انعكاس الدعوة الوهابية على الكويت إيجابياً لأن د. الحربي قرر أن مذهب الغالبية في الكويت حنبلي وأن غالبية العوائل الكويتية من نجد.

ولم يراع د. الحربي الأمانة العلمية في الإشارة إلى المصادر التي ينقل عنها أحياناً، فقد أشرت إلى موقف الكويتيين من الدعوة الوهابية عند بداية ظهورها في الدراسة التي نشرتها بعنوان «الجذور التاريخية للحركة الإصلاحية والتنويرية في الكويت»، فقام د. الحربي بالاقتباس منها دون الإشارة إلى المصدر إذ قلت «واتضحت تلك الهوية المدنية عند مواجهة التحديات وكان أولها دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ففي عهد الشيخ صباح الأول وفي العام 1760م أرسل الكويتيون رسالة إلى الشيخ عبدالله بن محمد بن عبداللطيف الأحسائي يسألونه عن بعض أمور تتصل بآراء الشيخ محمد بن عبدالوهاب وهم يعلمون أنه من أشد معارضيه.

واقتبس د. الحربي الفقرة التي نشرتُها من رد الشيخ عبدالله كاملة بما في ذلك الخطأ الطباعي الذي حوّل كلمة «العارض» إلى العراق في قول الشيخ ابن عبداللطيف عن الشيخ بن عبدالوهاب «نشأ ببلاد العارض» أما الخطأ الثاني فهو دخول كلمة «ممطرنا» إلى جنب «هذا عارض» ذلك أن الرسالة لم تتضمن الآية كاملة، بل اكتفت بـ «هذا عارضٌ» وهذا يعني أن الباحث لم يطلع على الرسالة المخطوطة، بل اقتبس الفقرة بخطئيها من دراستي دون إشارة إلى المصدر.

ثم اقتبس فقرة أخرى من الدراسة نفسها وأودعها كتابه دون إشارة إلى المصدر الذي نقل عنه، وهي الفقرة التي تبدأ بقولي «وفي عهد الشيخ عبدالله بن صباح الأول 1776-1814م حدث تساؤل وتشكيك مماثل، فقد نشر حسين بن غنام في تاريخ نجد «روضة الافكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وغزوات ذوي الإسلام» رداً على رسالة تتضمن تساؤلات وردت اليه من ابن صباح، بالباء او ابن صياح بالياء، وقيل ان الرسالة وردته من الشيخ عبدالله بن صباح الأول، وقد نقل د. الحربي الفقرة بخطئها المطبعي، اذ الصواب هو «وردت إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب من ابن صباح...». (41).

ويستطرد د. الحربي في سرد موضوعات عديدة لا علاقة لها بصلب موضوع دراسته، وليس ثمة من فائدة في تتبع ما قال في تلك الموضوعات، وسوف نكتفي بالتعليق الموجز على ثلاث نقاط أجهد نفسه في توكيدها وهي لا تحتاج الى توكيد:

1 - الأصول النجدية لمعظم الكويتيين.

2 - الحب والتقدير المتبادلين بين الكويت والمملكة العربية السعودية الشقيقة.

3 - مكانة الملك عبدالعزيز آل سعود لدى الكويتيين.

وأحسب اننا بحاجة الى طمأنة د. الحربي الى ان الكويتيين بصفة عامة لا يخالفونه الرأي بشأن هذه الأمور اذ تذهب معظم المصادر الى ان العتوب، ومنهم الأسرة الحاكمة في الكويت جاؤوا من الهدار في نجد، بل ان المهاجرين الى الكويت من الاحساء والبحرين والزبارة وبقية سواحل الخليج العربي الغربية والشرقية وجزره هم من القبائل العربية التي تعود جذورها الى نجد، وما جاورها من الأقاليم.

اما الحب والتقدير المتبادلان بين الكويت والشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية فهما نتيجة طبيعية لأواصر القربى والجوار والمصير المشترك.

وكذلك الحال فيما يتعلق بمكانة الملك عبدالعزيز ال سعود لدى الكويتيين، فهو القائد التاريخي الكبير الذي تمكن من تحقيق حلم عروبي اسلامي كبير، وهو توحيد شتات الجزيرة العربية في دولة واحدة لها مكانتها السياسية والاقتصادية والثقافية المميزة في المحافل الدولية ويمتد هذا الحب والتقدير الى خلفائه الذين انتصروا للكويت عندما واجهت الأخطار.

وقد اشاد شعراء الكويت بدور الملك عبدالعزيز آل سعود في توحيد الجزيرة العربية وتحقيق الامن والاستقرار فيها، ومنهم زين العابدين بن حسن باقر، وخالد الفرج، ومحمود شوقي الأيوبي.

وبعد، فقد حاورت د. أحمد الحربي كما حاورت غيره من قبل بمنطق العقل لا العاطفة وتجاوزت عن كثير من اخطائه وافتراضه سوء النية فيما يقرأ، واضطراب منهجه في البحث وتعصبه لمذهبه الحنبلي ولشيخه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، متناسيا انه بشر يصيب ويخطئ، وأن الذين انتقدوا طائفة من آرائه علماء لهم مكانتهم العلمية الكبيرة ولأسرهم منزلة اجتماعية توجب رفض رميهم بالكفر والارتداد عن الإسلام والتشهير بهم بَلْهَ استحلال دمائهم.

ومن ناحية أخرى فإن الوهابية ليست موضوعا لدراستي، ولكني مررت على ذكرها عند الحديث عن الاتجاهات الفكرية في الكويت من ناحية عدم ملاءمة مقولاتها لطبيعة المجتمع الكويتي المدني المتفتح، وخاصة ما يتعلق من تلك المقولات بالتكفير، ورمي المخالف بالارتداد عن الإسلام.

وقد اساء د. الحربي ادب الحوار في مخاطبتي، مثال قوله: «فالواجب التاريخي (يقضي) على الدكتور والأديب خليفة الوقيان أن يكون منصفا حين ذكره للحقائق، فما صنعه في كتابه «الثقافة في الكويت» وغيره من مقالات يجعله في خانة المؤرخين المغرضين، فتصفية الحسابات وإخراج مكنونات النفس يجب أن يكون بعيدا كل البعد عن الباحث النزيه المنصف».

وسوف أقول للدكتور الحربي: كيف تجرؤ على وصف الباحثين بالمؤرخين المغرضين حين لا يرون رأيك في تقديس البشر، ومنذ متى اصبحت عالما بالغيب او طبيبا نفسيا تكشف عن مكنونات النفوس؟! ان قاموس البذاءات متاح للكافة وبإمكان كل منا أن يستخرج منه ما شاء ويقذف به من يخالفه الرأي، وهذا منهج الغلاة الذي نحذر منه. ان كل معلومة تاريخية أستشهد بها عن الغلو المهلك للأمم تحمل في يدها مصدرها، وهو في الغالب مصدر نجدي لمؤرخي الدعوة الوهابية مثل ابن غنام وابن بشر.

ومن ناحية أخرى، فإن المنهج الصحيح في نقد الرأي المخالف يقتضي عدم تجاوز موضوع الرأي والانتقال، الى تجريح قائله، وقد تجاوزت خطأك المنهجي هذا، وحاورتك بمنطق علمي، وقلت لنفسي لعله شاب صغير السن والتجربة.

ويجدر أن نشير إلى ان كثيرا من إخوتنا الكتاب الإسلاميين لا يطيقون الرأي الآخر وينظرون الى آراء شيوخهم بكثير من التقديس، ولا يقبلون أي نقد يوجه اليهم، وحين تختلف معهم بشأن قضية ما تجدهم - في الغالب - يتجاوزون موضوع الخلاف، ويمسكون بثيابك محاولين تلطيخها، الأمر الذي يجعل الحوار معهم غير ذي جدوى، ولا يستطيع المتلقي أن ينتفع به.

وفيما يخصني فإن ردي على أقوال الدكتور الحربي ومن يرى رأيه لا يهدف إلى اقناعهم بصواب وجهة نظري، بل هو لوضع المعلومات الموثقة بشأن القضايا المثارة بين أيدي المتلقين المحايدين.

ولا يهدف الرد الى الإساءة الى اي طرف، ولكنه يؤكد قناعة آمنت بها منذ زمن بعيد، وهي خطورة الغلو الديني الذي اهلك الأمم ودمر الأمصار وجعل المسلمين يدفعون ضريبة فادحة تتمثل في أنهار من الدماء والدموع والخراب والتشرد خارج الأوطان والانشغال بأوجاع الماضي عن التخطيط والعمل لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

إن فكر الغلو الذي تفشى في العالم الإسلامي واتخذ له في كل مرحلة اسما وواجهة وعنوانا هو الذي أنتج في الماضي الخوارج وغيرهم من فرق الغلو التي تضيق بأسمائها وببشاعة أفعالها كتب الملل والنحل والفرق وكتب التاريخ.

ولم يكن ذلك التشرذم العقدي المفضي إلى العنف الدموي ليحدث لو كانت لغة الحوار هي القلم والمنبر بدلاً من السيف والرمح، ثم السكين الداعشية التي يذبح بها الابن اباه والأخ أخاه كما حدث مؤخرا. وقد يقول قائل ان الكويت بعيدة عن فكر الغلو، فنقول لهم هذا تغييب خطير للحقيقة، ففي مطلع القرن العشرين أفتى الغلاة بأن قتل الشيخ عبدالعزيز الرشيد والشيخ يوسف بن عيسى والشيخ الشاعر صقر الشبيب ثمن لدخول الجنة، كما حاولوا قتل السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار، أثناء زيارته للكويت.

وفي المرحلة الحالية ارسل الغلاة نخبة من أبنائنا الأبرياء الى مجاهل تورا بورا وقندهار وبادية الشام والعراق للجهاد مع طالبان وداعش والقاعدة فكان مصير كثير منهم الموت بعيدا عن الأهل والوطن.

وعلينا ان نتساءل بعدئذ: ما الفكر الذي أنتج لنا فرق الغلو المعاصرة مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وشباب المجاهدين؟ ومن الذين يمولون تلك الفرق في الكويت على وجه التحديد؟

وسوف أختتم ردي على الدكتور أحمد الحربي ومن يرون رأيه بما قلته في كتاب «الثقافة في الكويت» الصادر عام 2006م أي قبل سبعة عشر عاما: «قام النموذج الكويتي على أساس تنوع المنابع الثقافية، وتجذر مبدأ الحرية والديموقراطية والانفتاح على الآخر والتفاعل الإيجابي معه ونبذ الغلو، ومقاومة ثقافة احتكار الحقيقة.

وفق هذا الأساس نمت الكويت وازدهرت وتمكنت من تجاوز التحديات، ويبدو ان الكويتيين ادركوا انه بفرض الرؤية الأحادية تتداعى مقومات القوة والتميز، وتتحول عناصر التنوع الثقافي ذات الآثار الإيجابية الى عوامل فرقة وتناحر تنذر بتفجير المجتمع من الداخل، وتحويله إلى شظايا عرقية وقبلية وطائفية» (42).

الحواشي والهوامش

1 - د. أحمد الحربي: الحركة الإصلاحية في الكويت - ص 113.

2 - عبدالعزيز الرشيد: تاريخ الكويت ص 344، ط 3، دار قرطاس للنشر - الكويت.

3 - حسين بن غنام - تاريخ نجد «روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وغزوات ذوي الإسلام» تاريخ نجد، ص 107، تحقيق: د. ناصر الدين الأسد.

4 - المصدر السابق، ص 109.

5 - حسين بن غنام - تاريخ ابن غنام، 2/ 683 - 684 - اعتنى به سليمان بن صالح الخراشي، وهذه الطبعة أجود من الطبعة التي صدرت بتحرير وتدقيق د. ناصر الدين الأسد، حيث تصرف فيها بالحذف، ويلاحظ أن اسم الكتاب بتحقيق الخراشي «تاريخ ابن غنام» بدلا من «تاريخ نجد» لدى د. الأسد.

6 - المصدر السابق، 2/685.

7 - المصدر السابق، 2/689.

8 - المصدر السابق، 2/691.

9 - المصدر السابق، 2/692.

10 - المصدر السابق، 2/423.

11 - المصدر السابق، 1/344 - 345.

12 - المصدر السابق، 1/344 حاشية.

13 - عبدالله بن محمد بن عبداللطيف - الورقة رقم 3 من رسالة الشيخ ابن عبداللطيف المخطوطة التي تتضمن الإجابة عن سؤال ورد إليه من الكويت.

14 - تاريخ ابن غنام، 1/ 246 - 247.

15 - الحركة الإصلاحية في الكويت، ص 114.

16 - يستشهد د. الحربي بكتاب الشيخ دغش بن شبيب العجمي «أمراء وعلماء من الكويت على عقيدة السلف - في أحد المواضع - ولا يشير الى الخطأ الذي وقع فيه الشيخ دغش بشأن رسالة ابن عبدالوهاب الى ابن صباح - حين يقول «إن الحاكم الرابع من حكام الكويت، وهو الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر، المتوفى 1229هـ الموافق 1813م، راسل الشيخ ابن عبدالوهاب»، وما قاله الشيخ دغش خطأ، إذ إن الحاكم الرابع هو الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله بن صباح الأول، وابنه عبدالله هو الحاكم الخامس، لا الرابع، وكان حكمه من 1866 الى 1892م، أي أنه لم يعاصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب، المتوفى عام 1792م حتى يراسله. والمقصود بالمراسلة هو الحاكم الثاني الشيخ عبدالله بن صباح الأول.

انظر: دغش بن شبيب العجمي: أمراء وعلماء من الكويت على عقيدة السلف، ص 31.

17 - تاريخ ابن غنام، 1/516.

18 - تقول مجلة البعثة الكويتية: «ينقل أحد الثقات عنه أنه لما كان في إحدى رحلاته لعمان أرسلت اليه امرأة أمير رأس الخيمة ليجري لها عملية التطعيم ضد الجدري. وكان أهل هذه البلاد متعصبين جدا للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، المصلح المشهور، وكانت الأميرة على جانب من المعرفة، فسألت الشيخ تريد معرفة مذهبه: أأنت أشعري أم سلفي؟ فقال: سلفي، فقالت: ما قولك في «الرحمن على العرش استوى»، فأجابها جواب الإمام مالك المشهور، وهو: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فسألته على الفور عن رأيه في محمد بن عبدالوهاب، فقال: إن الذين يأتوننا من الرياض يثنون عليه كثيرا، غير أن الكويتيين لا يكرهون الإمام مطلقا، لكنهم غير متعصبين له ولدعوته، والشيخ يرى فيه رأي قومه لا أكثر».

انظر مجلة البعثة - يناير 1949 - وانظر أيضا «الثقافة في الكويت»، ص 230 ط 6.

19 - الحركة الإصلاحية في الكويت، ص 62 حاشية 1.

20 - انظر د. فيصل عبدالله الكندري - «الحملة العثمانية على الأحساء»، ص 218.

21 - بدر خالد البدر - معركة الجهراء... ما قبلها وما بعدها، ص 41.

22 - الحركة الإصلاحية في الكويت، ص 115.

23 - د. خالد حمود السعدون: العلاقات بين نجد