هجوم مجلس الأمة الأخير على الحكومة جاء من المعارضة الصادقة التي لا تقودها دوافع انتقامية أو مصلحية ولا يتطرق شك في نواياها البعيدة عن خدمة محاور متصارعة أيا كانت بل هي غضبة صادقة من تشكيل حكومي وبرنامج عمل تحفّه الثغرات التي لا تبشر باستقرار واستمرار يتطلبه الإصلاح والتطوير الجذري.

هذا ونحن في البدايات وسفينة الحكومة راسية على الفرضة، والماء يدخل عليها من كل اتجاه، وأصبحنا على مشارف العودة الى المربع الأول بسبب أخطاء وقعت بها الحكومة كانت في غنى عنها، ولا يمكن أن تمر على الحصيف وذي النظرة الدقيقة، فقد بدأت بإلحاق هيئة الاستثمار بوزارة النفط مما أدت إلى استقالة وزير المالية، وانتهت بهوجة وزير متهم بالرشوة ومحال للنيابة، فقال هذا الوزير رداً على زميله الذي انتقد الحكومة بسبب توزيره بأنه قبل توزيره تلقى اتصالاً من النائب العام الذي طمأنه بالبراءة، مما اعتبر مادة دسمة للهجوم على الوزير والنائب العام، كما أثار النواب قضية ضعف برنامج العمل الذي قدمته الحكومة وعدم وجود رؤية وأهداف محددة تحقق المطالب الشعبية الملحة.

Ad

فإذا استمر تفاعل وتطور الأمور على هذا النحو ولم يتم اجتثاث مسببات الأزمة سريعاً في عملية جراحية ذكية وباحترافية عالية فإن الأمور منذرة بأزمة ومأزق عميق أشبه بثقب أسود، وسندخل في مخاض جدل لا نهاية له.

يقول الإمام الأوزاعي، رحمه الله: «إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ومنعهم العمل»، والشعب الكويتي أوصل أغلبية من أفضل النواب إلى البرلمان، كما أن الكويت فيها من الشخصيات الوطنية وغير القابلة للنكوص عن طريق الإصلاح، ولها تجارب ورُؤى رائدة، كما أنها قادرة على التفاعل مع الخبرات العالمية وشتلها في بيئة الكويت الاقتصادية والإدارية بعد رسم الأهداف واقتراح المشروعات المحققة لهذه الأهداف وغرسه في برنامج عمل الحكومة الذي نص عليه الدستور الكويتي في المادة (98): «تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها الى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج».

ومجلس الأمة مسؤول عن وضع ملاحظاته على برنامج العمل واستبدال وتعديل بنود هذا البرنامج إذا جاءت غير ملبية للمطالب المجتمعية، وكان خاليا من المعايير الكمية والزمنية، وتحقيقا لواقعية وصلابة برنامج العمل لابد من تواصل النواب مع قوى المجتمع وكل الكفاءات الوطنية وإحداث عصْف ذهني مجتمعي عميق يستفز العبقرية الوطنية بعيدا عن العقلية الشعبوية.

عندها سينطفئ الجدل ويعتبر نشازاً فينصهر الجميع في العمل الوطني، ولا يلتفت الناس لأرباب الجدل العقيم، ولن يفسحوا لهم مكاناً لخلق وتوجيه الوعي، وبذا تتحطم طواحينهم التي تجتر الخطابات الجوفاء العتيقة، وتثير الفتن، ولا يبقى مكان إلا للعمل والعمل وحده.

ومن نافلة القول بأنه لابد من تحصين العملية الإصلاحية وتقوية الحيادية وحرية الاختيار، وتحقيقا لهذا المقصد جاء إصرار سمو ولي العهد على مبدأ العودة لإرادة الأمة، وقد وجدنا هذا التوجه في الانتخابات البرلمانية السابقة، وكيف أن الحكومة لم تتدخل في الانتخابات، وغيرت أساس التصويت بما يفضي إلى ترشيد العملية الديمقراطية، وصدقت أيما صدق في ذلك، وتقدمت رموز وطنية للمشاركة في الانتخابات بعد مقاطعتها.

نتمنى أن يتجاوب مع هذه الروح كل رجالات المجتمع وقواه الحية، وألا يكون لأصحاب البطالة والعطالة مكان إلا في ساحات السرك الذي انفض عنه الناس الذين مَلُّوا من عروضه المبتذلة.