على خلاف العادة، لم تنظم الحكومة العراقية هذا العام، «الاستعراض المسلح» الذي يقام منذ سنين في ذكرى تأسيس فصائل «الحشد الشعبي»، ما ظل يثير طوال الأيام الماضية، موجة سخط من جمهور الفصائل على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يقول إنه «حليف الحشد وممثله»، وجرى اعتبار ذلك بداية لموسم «تنازلات كبيرة» تقدمها بغداد لواشنطن على حساب «محور المقاومة»، عززها رئيس الحكومة بالحديث عن ضرورة نقل معسكرات المسلحين الموالين لطهران، إلى خارج المدن.

ويحاول الجناح المتشدد في بغداد منذ تسلمه السلطة الخريف الماضي، إبطال فرضية التشدد هذه والتمسك بمظهر «السياسة المعتدلة» خصوصاً مع خفوت أصوات المعارضة منذ انسحاب التيار الصدري من البرلمان وانكفاء قوى اليسار والمدنيين وتراجع السجالات السياسية الحادة.

Ad

وساعد هذا التيار في «تحسين صورته» ترطيب الأجواء بين طهران والرياض، مما أتاح لبغداد أن «تتنفس» قليلاً وتستغل الأجواء الإيجابية في إيران، لمواصلة عقد اتفاقات في مجالات الطاقة والبناء مع المحيط الخليجي وتركيا ومصر والأردن، لكن ذلك إن أرضى قليلاً قيادات الفصائل وهي عماد الكتلة الداعمة لحكومة السوداني، فإنه يباغت القاعدة الجماهيرية التي جرت تعبئتها طوال أعوام، ضد المحيط العربي وتركيا والقوى الغربية.

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي تصادماً معلناً بين قادة الحشد وجمهورهم، وواجهوا اتهاماً بأن التنازل عن الاستعراض المسلح السنوي في الذكرى الثامنة لتأسيس هيئة الحشد كمظلة «رسمية» للفصائل، هو بداية لتنازلات كثيرة.

ومرت قبل أيام ذكرى فتوى «الجهاد الكفائي» التي أصدرها المرجع الأعلى في العراق علي السيستاني عام 2014، داعياً الى التطوع في القوات الأمنية لمساندة الجيش بعد انهيار عسكري شامل أمام تنظيم داعش، لكن البيان الذي تلاه نجله محمد رضا لم يشر بأي كلمة إلى مؤسسة الحشد الشعبي، وأصر على استخدام تعبير «المتطوعين» حين دعا بالرحمة للقتلى الذين سقطوا في تلك الحرب الطويلة على التنظيم المتشدد.

وكان هذا إلى جانب حديث رئيس الوزراء عن مشروع نقل مقرات الفصائل إلى خارج المدن، كافياً لإثارة موجة اعتراض تعبر عن «القلق من المستقبل» عند جمهور الفصائل، رغم أن السوداني حاول ترضية الجناح المتشدد بمنح آلاف الوظائف لجمهوره، وإصدار قرار بمنح الحشود «ميزانية سرية للعمليات الحساسة» على غرار ما يمنح لجهاز المخابرات وسواه.

وتواصل مواقع إعلامية مقربة على الفصائل مهاجمة الاتفاقيات التي تبرمها بغداد مع تركيا ومصر وبلدان الخليج، كما تقوم بالتشويش على التقارب العراقي - الكويتي كلما سنحت الفرصة، ما يكشف انقساماً عميقاً يقول مراقبون إنه واقع في طهران نفسها بين الحكومة وبعض أجنحة الحرس الثوري الذين يعجزون دوماً عن التكيف مع الانعطافات الحادة في السياسة الإيرانية بين الحين والآخر.

وتذكر مصادر مطلعة في بغداد أن السوداني قد يفكر بتنظيم استعراض مسلح (محدود وخفيف وبلا طائرات درون) لامتصاص نقمة الحشد، خصوصاً أنه بحاجة إلى «بعض الطعون» في قانون الموازنة الضخمة المقر حديثاً، الذي قام أنصار الفصائل بإدخال تعديلات فيه اعتبرت كسراً لإرادة رئيس الحكومة خصوصاً فيما يتعلق بالتسويات النفطية مع إقليم كردستان.