يواجه قرار وزارة الإعلام بشأن منع وسائل الإعلام من إجراء ونشر لقاءات واستطلاعات مع الطلبة، وتحديدا طلبة الثانوية العامة، مخالفات دستورية وقانونية، لأن الوزارة قررت منع كل اللقاءات والاستطلاعات مع الطلبة أيا كان محتواها، في حين أن القانون المشار إليه في التعميم الصادر بالمنع لم يشر إليها، الأمر الذي يثير معه أمر شبهة هذا التعميم من وجهتين، الأولى دستورية، والأخرى قانونية، ويجعله عديم الأثر القانوني.

والمخالفة الدستورية المنسوبة إلى هذا التعميم هو مخالفته حكمي المادتين 32 و36، حيث تنص المادة 32 من الدستور على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها»، بينما تنص المادة 36 على أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».

Ad

ولما كان الملاحظ من التعميم الصادر من وكيل وزارة الإعلام، وليس حتى من الوزير، الذي أجاز له القانون تنظيم القرارات وفق اللائحة التنفيذية، أن هذا التعميم عند مخاطبته لوسائل الإعلام بعدم النشر استند إلى أحكام قانون الطفل، في حين أن تلك الوسائل مخاطبة بأحكام القوانين التي تنظمها، كالمطبوعات والنشر والمرئي والمسموع والإعلام الإلكتروني، ولم يأت بأحكام تلك القوانين ما يشير إلى منع إجراءات ومقابلات أو لقاءات أو استطلاعات لفئة من فئات المجتمع، وذلك لأن مصدر الحظر يجب أن يكون مبنيا على أحكام تلك القوانين.

وانه وإزاء الرجوع الى احكام تلك القوانين يتبين عدم إشارتها الى أي حظر على وسائل الإعلام من إجراء أي لقاءات، وان الحظر مرتبط على محتوى محدد مبناه أحكام القوانين وفقا للمحظورات المشار اليها صراحة في احكامه.

وحيث إن القوانين الاعلامية خلت من إيراد تلك المحظورات الواردة في التعميم الصادر من وكيل وزارة الاعلام، كما أن ذلك التعميم جاء مخالفا لحكم المادة 32 من الدستور لكونه قد صدر بأداة تشريعية أقل من القانون، وصدر وفق أداة التعميم وليس بتشريع، الأمر الذي يعد مخالفا لأحكام المادة 32 من الدستور.

بينما المخالفة الثانية لأحكام التعميم الصادر من وزارة الإعلام أنه صدر بالمخالفة لأحكام حتى قانون حقوق الطفل الذي قسم في تعريفه بحكم المادة الثانية منه للطفل من عدم إجراء أي لقاءات واستطلاعات له، وهو حكم مخالف لحكم المادة 2 وأحكام القانون الاخرى التي تشجع على تمكين الأطفال من التعبير عن آرائهم، وتمكينهم من إبداء ملاحظاتهم، ومن ثم فالقول بمنعهم مهما كان المحتوى الذي يقدمونه أو يتم إجراؤه معهم بغض النظر هو حظر مخالف لأحكام القانون ذاته، بل يعد تعديا على حق الطفل في التعبير عن آرائه وافكاره.

صورة ضوئية عن تعميم «الإعلام»

والمخالفة الثالثة أنه وبالرجوع الى أحكام قانون الطفل وتحديدا الى المادة 76 من قانون حقوق الطفل فإنها لا تحظر إجراء أي مقابلات أو استطلاعات مع الطفل وإنما تحظر تعريض الطفل عمدا لأي أذى من أنواع الأذى الجسدي أو النفسي أو الجنسي أو الإهمال، مما قد يترتب على ذلك تهديد سلامة التنشئة الواجب توافرها له في الأحوال الآتية:

1 - إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر.

2 - إذا كانت ظروف تربيته في الأسرة تعرضه للخطر أو كان معرضا للإهمال أو الإساءة.

3 - إذا تعرض داخل الأسرة أو المدرسة للتحريض على التصنيف والى آخر المادة.

وهذه المحظورات ليس فيها ما يخص منع عمل المقابلات أو الاستطلاعات مع الطفل أو أنها تعرضه للخطر نهائيا، فالمادة 76 وغيرها من المواد اللاحقة ليس فيها ما يمنع الطفل من إجراء لقاءات أو محظورات، كما ان احكام المواد الجزائية تحديدا يجب أن يكون تفسير المؤدى لها ضيقا ومن دون توسع او الافراط في بيان مدلولاتها بما ليس مقررا، وذلك لأن حكم المادة يشير الى تعريض الطفل للخطر أي وضعه في مرحلة الخطر، وليس في إمكانية إجراء لقاءات صحافية خارج أسوار المدارس أو الأسواق أو المؤسسات العامة أو المرافق لمن يرغب في إجرائها من الاطفال اختيارا، أي تعريض للخطر سواء في نشر محتوى يعبر عن آرائهم وافكارهم من دون أن يتم الحظر على نحو عام لحقهم في عرض أفكارهم والتعبير عن أرائهم، لأن أحكام قانون الطفل تشجع الطفل على التعبير عن آرائه وطرح الآراء والافكار وتحديدا لمن هم من بعد سن السابعة حتى بعد سن الـ15، الأمر الذي يجعل من هذا التعميم مخالفا لاحكام القانون ولا يجد سنده من الواقع القانوني والدستوري، وهو ما يتعين العمل معه على الغائه لعدم سلامته من الناحية الاجرائية لصدوره على شكل تعميم وليس قرارا وزاريا، وأنه تضمن حظرا بخلاف ما ورد في القوانين الاعلامية، والتي يجب أن تكون بقانون وليس بقرار، فضلا عن أنه ليس في نشر الاستطلاعات وإجرائها وعرضها بما يكفل حرية الرأي وبما لا يخالف القوانين والمحظورات الواردة فيها أي خطر على الطفل وحقوقه.

كما يقع على عاتق وسائل الاعلام قواعد أخلاقية قبل القانونية الواردة بالحظر الوارد بمواد القوانين الاعلامية، وهو عدم نشر التصريحات غير المسؤولة للأطفال أو التي تتضمن طعنا أو مساسا بالغير، بينما آراؤهم وأفكارهم وطموحاتهم ورأيهم بالمناهج والخدمات أمر جائز، ولا يضر بهم، ولا يعد خطرا عليهم.