لا شيء ينذر بأن الحركة الاحتجاجية التي تقودها النساء في إيران تتجه إلى التباطؤ، رغم حملة القمع العنيفة التي تنفذها قوات الأمن الإيرانية، في الأسبوع الماضي، شارك آلاف الإيرانيين في مسيرة نحو مدينة سقز، بلدة مهسا «زينة» أميني التي أحدث مقتلها أثناء احتجازها لدى الشرطة، قبل أربعين يوماً تقريباً، موجة من الاستياء والحزن سرعان ما تحوّلت إلى حركة احتجاجية حاشدة، أميني شابة إيرانية كردية عمرها 22 عاماً، وكانت تزور عائلتها في طهران حين اعتقلتها شرطة الأخلاق بتهمة انتهاك قانون الحجاب الإيراني، يزعم الشهود أن الشرطة ضربتها بعنف، ثم دخلت في غيبوبة وماتت بعد ثلاثة أيام في المستشفى.

على مر السنة الماضية، عمدت الحكومة في إيران إلى تضييق الخناق على حياة النساء، لا سيما في المسألة المتعلقة بقانون الحجاب الإلزامي، وانتشرت فيديوهات تظهر فيها شرطة الأخلاق وهي تطبّق ذلك القانون بعنف، فتأججت مشاعر الغضب والتحدي وسط الناس، كان موت أميني القشة التي قصمت ظهر البعير.

منذ البداية، حددت النساء وجهة هذه الاحتجاجات واستعملن طرقاً مبتكرة للتعبير عن غضبهنّ من الحكومة، شارك عدد كبير من الرجال في تلك التجمعات أيضاً، لكنهم تحركوا باسم أميني وتبنوا خطابات نسوية أكثر من أي وقت مضى، ونتيجةً لذلك، مهّدت التحركات التي تنظمها النساء وموجة الغضب في أوساطهن لإطلاق انتفاضة منادية بالديموقراطية على نطاق أوسع.
Ad


تحمل هذه المرحلة الكثير من الآمال والمخاوف في آن، فلا مفر من تفعيل الحركات الاحتجاجية حين تكون المرأة في طليعتها، لكن يترافق هذا الوضع مع مخاطر كبرى أيضاً، فإذا هزم النظام الإيراني المحتجين اليوم، قد تنشأ ردة فعل ذكورية أكثر قوة في المرحلة اللاحقة، فتشهد حقوق المرأة والحرية السياسية في إيران انتكاسة كبرى ويتلاشى أي تقدّم كان قد تحقّق في العقود السابقة.

تختلف هذه الانتفاضة أيضاً عن الحملات الأخرى لأن المرأة هي التي تقودها بكل جرأة وإصرار، بدءاً من الاحتجاج في دوائر المرور وصولاً إلى قيادة تظاهرات حاشدة، لا ترمز المرأة بكل بساطة إلى الحرية بل إنها تأخذ مجازفات هائلة للمطالبة بها، حتى أنها قد تخسر حياتها في بعض الحالات، فهذا الوضع صعّب على النظام كبح الانتفاضة وزاد احتمال أن تُحدِث الحركة تغييراً حقيقياً، وتميل الحركات التي تضطلع فيها النساء بدورٍ بارز إلى جذب أعداد متزايدة من المشاركين، فتكون أوسع من التحركات التي تُهمّش النساء بسبع مرات تقريباً، وتصبح التحركات التي يتوسّع نطاقها أكثر قابلية للنجاح. نظراً إلى التعتيم الإعلامي في إيران، يستحيل أن نعرف عدد الناشطين في هذه الحركة حتى الآن، لكن يقول عالِم الاجتماع محمد علي كديفار إن الحركة الراهنة حصدت دعماً يفوق جميع الاحتجاجات الحديثة الأخرى، وقد اتّضح ذلك في الشوارع وفي قطاعات أساسية من المجتمع الإيراني، وبعيداً عن الإصلاحيين والطلاب والمفكرين في المدن الكبرى، جذبت الحركة الاحتجاجية فئات متنوعة، من العاملين في قطاع النفط وأشهر الرياضيين والفنانين، إلى التجار في سوق طهران.

على صعيد آخر، تُعتبر الحركات التي يشارك فيها عدد كبير من النساء أكثر شرعية بنظر المراقبين الذين يتجاوبون عموماً مع القوة الرمزية للجدّات والطالبات اللواتي يقررن الاحتجاج بكل شجاعة، وفي إيران، أعلنت نقابة المعلمين الإضراب وطالبت باستقالة وزير التربية بعد انتشار أنباء عن قتل طالبات أو اعتقالهنّ، خلال عمليات اقتحام مدارس الفتيات التي يُشتبه في أنها تخالف قانون الحجاب الإلزامي، كذلك، تسمح مشاركة المرأة في التحركات الشعبية للناشطين باستعمال عوامل الضغط الاجتماعي التي تؤثر عليها المرأة داخل عائلتها ومجتمعها، مما يسمح بإنشاء شبكات ومعايير مختلفة عن تلك التي يسيطر عليها الرجال، وفي أوساط العائلات والمجتمعات مثلاً، تستطيع المرأة عموماً أن تطالب بمعايير أخلاقية وتكسب النفوذ الاجتماعي بطرقٍ قد تؤثر على تصرفات ومواقف المحيطين بها، ونتيجةً لذلك، تكون الحركات الاحتجاجية التي يشارك فيها الجنسان أكثر قدرة على إضعاف الولاء للنظام، وتمكين الإصلاحيين، وتهميش المتشددين تزامناً مع احتدام الصراع.

انتشرت صور تظهر فيها أم متقدمة في السن وهي تبعد ابنها عن رجال شرطة كانوا يستعدون لقمع المتظاهرين، كذلك، اعترضت شخصيات نسائية مشهورة على نشر صورهنّ على لوحات إعلانية من تمويل الدولة مع شعار «نساء من أرضي»، فكانت الممثلة الفائزة بجوائز عدة، فاطمة معتمد آريا، أول من احتجّ علناً، فنشرت فيديو تظهر فيه بلا حجاب وتقول: «أنا لستُ امرأة من أرضٍ يُقتَل فيها الأولاد والفتيات الصغيرات والشباب العاشق للحرية».

على مستوى العالم، تكون الحركات التي تقودها النساء أكثر ابتكاراً من تلك التي تُهمّش المرأة، ويتّضح هذا الوضع في تكتيكات عدم التعاون.

في إيران، أصبح جزء من التكتيكات الاحتجاجية حكراً على النساء، فعمدت المرأة هناك إلى نزع حجابها وحرقه أو التلويح به تزامناً مع رفع الشعارات. هذا ما فعلته طالبات ظهرن في أحد الفيديوهات وهنّ يصرخن «ارحل!» في وجه ممثّل عن الحرس الثوري الإيراني في مدرستهنّ، كذلك، تعمد المرأة إلى قصّ شعرها في الأماكن العامة، فتسترجع بذلك عادة فارسية قديمة للتعبير عن السخط والحداد بسبب حالات الظلم المستمرة، وقد أطلقت هذه الظاهرة رمزاً جديداً للاحتجاج الدولي، وقامت أم عمرها 80 سنة بنزع حجابها وقصّ شعرها بعد مقتل ابنها في السجن، دعماً للحركة الاحتجاجية، علماً أنها كانت قد أمضت حياتها كلها وهي ترتدي الحجاب في الأماكن العامة، وبدءاً من شوارع سنندج، عاصمة محافظة كردستان في إيران، مروراً بأفغانستان وتركيا في الجوار، وصولاً إلى برلمانات الاتحاد الأوروبي وبلجيكا، تقصّ نساء من جميع أنحاء العالم شعرهنّ بمختلف ألوانه وتركيباته للدلالة على العنف ضد أجساد النساء ورفض المعايير المحافِظة للجمال والأخلاق.

أخيراً، تبقى الحملات التي تشارك فيها النساء أكثر قوة في وجه القمع لأن الاحتجاجات التي تشمل جميع فئات الناس تحافظ على طابعها السلمي بشكل عام. قد يترافق عنف الدولة تجاه النساء المحتجات مع نتائج عكسية، لأن مهاجمة النساء والأولاد مقاربة غير شرعية ومؤشر على ضعف الحكومة، واتّضح هذا الواقع خلال احتجاجات إيران في عام 2009، حين تعرّضت الشابة ندى آغا سلطان (26 عاماً) لإطلاق النار وأصبحت شهيدة الحركة الاحتجاجية، وخلال الاضطرابات الراهنة، تكشف التقارير أن النظام الإيراني اعتقل أكثر من 8 آلاف شخص، منهم مئات الأطفال، وقتل أكثر من 200 محتجّ، وعند التعامل مع الشباب وكبار السن أو مع النساء والأولاد بهذه الطريقة الوحشية، لا مفر من أن تضعف شرعية قوات الأمن التي تستعمل القوة ضد المتظاهرين. تاريخياً، تميل الحركات التي تشمل أعداداً كبيرة من النساء إلى تحقيق إنجازات ديموقراطية أكثر من تلك التي يطغى عليها الرجال، وتتعدد الأمثلة على ذلك، منها حملات الديموقراطية في الأرجنتين، والبرازيل، وتشيلي، والفلبين، وبولندا خلال الثمانينيات، في الأماكن التي تنجح فيها تلك الحملات، يؤدي توسّع هامش الديموقراطية أيضاً إلى زيادة احترام الحريات المدنية والمساواة بين الجنسَين خلال السنوات اللاحقة.

نتيجةً لذلك، تزيد هذه الحركات المخاطر المطروحة على الأنظمة الاستبدادية، لكن عندما تفشل تلك المبادرات، غالباً ما تنشأ ردة فعل ذكورية صارمة، فتعيد حقوق المرأة إلى مستويات أدنى مما كانت عليه عند بدء الحركة الاحتجاجية.

تحرم إيران أصلاً المرأة من حرية التعبير واللباس بطريقة تؤثر على حرية تنقلها، وفرصها الشخصية والمهنية، وقدرتها على تقرير مصيرها، يتزامن هذا الوضع مع ترسيخ ظاهرة التمييز بين الجنسَين في القانون وظهور عواقب اقتصادية وسياسية بارزة: تشكّل النساء في إيران أكثر من 50% من طلاب الجامعات، لكن تقتصر نسبتهنّ في سوق العمل على 14%، وإذا انهارت الحركة الاحتجاجية الراهنة، فقد تواجه المرأة الإيرانية على الأرجح شكلاً أكثر صرامة من السياسات الذكورية القمعية السابقة.

لا أحد يستطيع أن يتوقع نجاح الحركة في إيران أو تفوّق النظام الحاكم في نهاية المطاف، لكن أصبحت بعض التعديلات حتمية اليوم، فقد انهارت فكرة النظام الذي لا يُقهَر ولم يعد تهميش المرأة في الحياة السياسية ممكناً، ومع ذلك، سيستمر النضال ضد السياسات والقيم الذكورية على الأرجح، بغض النظر عما يحصل اليوم، وحتى لو لم تُمهّد الاحتجاجات لانهيار النظام، سبق أن غيّرت الشعارات الراهنة (المرأة، الحياة، الحرية!) المشهد الاجتماعي والسياسي، ونشأت تحالفات وسط فئات متنوعة تتراوح بين طالبات المدارس، والعاملين في قطاع النفط، والقوميين الأكراد، كذلك، أحدثت مطالب الحركة ضجة كبرى حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث أنتجت القيود المتجددة على الاستقلالية الإنجابية والعنف ضد النساء في السياسة قضية مشتركة.

في المراحل المقبلة، قد تضطر الحركة الاحتجاجية لتجاوز عوائق تنظيمية عدة ومعالجة التعتيم الإعلامي الذي يفرضه النظام الإيراني. يستطيع اللاعبون الدوليون أن يساعدوا المحتجين في إيجاد وسائل بديلة للوصول إلى الإنترنت، والتحايل على تدابير الحكومة لمتابعة التواصل في ما بينهم ومع بقية دول العالم. لكن حتى لو لم تصل تلك المساعدات، سبق أن أثبتت الفيديوهات والصور التي خرقت التعتيم الإعلامي الإيراني أن المرأة قد تصبح من أقوى عوامل التغيير رغم السياسات الاستبدادية الذكورية.

* زوي ماركس وفاطمة حقيقتجو وإيريكا شينويث