كنت مع صديق سعودي أستفسر منه عن التطورات الذي تشهدها المملكة العربية السعودية في مجال المشاريع الاقتصادية والعمرانية فرد قائلا: كنتم سابقين لنا بمراحل ولكن وفجأة شخطنا عليكم «يعني مررنا عليكم وتعديناكم بسرعة قصوى».

استوقفتني كلمة شخطنا عليكم البالغة الدلالة على الوضع المأساوي الذي نعيشه، فأقدامنا متحجرة في دائرة العقم منذ عقود، فنحن مثلاً لدينا مشروع الجامعة (الشدادية) استغرق ما بين طرح الفكرة والتخطيط والتنفيذ ما يزيد على الثلاثين سنة، وما زالت غير مكتملة في الوقت الذي نجد جامعة نورة التي تفوق جامعتنا بمقدار الضعف قد استغرقت من طرح الفكرة إلى انجازها النهائي سنتين، مع أن جامعتنا تستوعب 30 ألف طالب وجامعة نورة تستوعب 60 ألف طالبة، وفيها ميترو يشتغل 24 ساعة، وعلى أرقى وأحدث التكنولوجيا والتنظيم، في حين جامعتنا فيها مشكلات مواقف السيارات والازدحام خارج الجامعة وداخلها قبل أن تنتقل لها كل الكليات.

المذهل أن المملكة العربية السعودية أصبحت تحسب وتوقِّت إنجاز المشاريع الضخمة بالأشهر لا السنوات، فمشروع البوليفارد الضخم على مساحة 900 ألف متر مربع استغرق 4 شهور، والذي يحوي أيقونات من المشروعات الترفيهية والنافورة الراقصة الأكبر والقبة الثلجية والألعاب المختلفة لكل الأعمار والمسارح ودور السينما المكشوفة والمغطاة، والمطاعم، والمحلات التجارية للسلع المحلية والعالمية إضافة إلى الفنادق ومواقف السيارات يتسع لعشرة آلاف سيارة فضلاً عن كل الملحقات الضرورية.
Ad


والبلد الذي يتوطن فيه مثل هذه الإنجازات يتوطن فيه وتتراكم أيضاً الخبرة وتزحف إليه الشركات الأجنبية، والنتيجة يستوعب أبناءه بالتدريج المهارات الإدارية والتخطيطية، ويتم توظيف الموارد البشرية والمادية توظيفا مثمراً يحقق الإنجازات الخارقة، وعلى العكس المجتمعات التي تتوطن فيها عشوائية التخطيط وعدم الإنجاز يخيم عليه اللا فعل والعقم الحضاري والعمراني والتقهقر.

المحرك الأول للتغيير نحو الإنجاز هو إرادة السلطة ووضوح وعقلانية رؤيتها واستثمار الفعاليات والموارد في أرقى وأمثل الطرق الممكنة مع الدعم غير المحدود، إضافة إلى عزل قوى الفساد واستئصالها مع عدم الانشغال بأية أمور أخرى، والالتفاف على الظروف الصعبة بذكاء كما تفعل المملكة في التفافها على ظروف الحرب المستعرة على حدودها الجنوبية مع الحوثيين.

لقد وظّفت المملكة العربية السعودية كل الفاعلين من أبناء الوطن والمختصين والمتعلمين ورجال الأعمال الصادقين، وشجعت دخول الشركات الأجنبية ووفرت أجواء الدعم بلا حدود في الوقت الذي شحذت أدوات حادة قاطعة يتلامع بريقها لكل العيون، لا نزال العقاب الرادع على كل من توسوس له نفسه أياً كان بارتكاب أي جريمة سرقة أو تلاعب أو إهمال أو استخدام النفوذ، فالنفوذ فقط لأصحاب القرار الفني السليم والقرار الإداري الرشيد وصاحب الحق.

لو أخذنا بنهج المملكة العربية السعودية لما استغرقت مشاريعنا مثل المدن الإسكانية لكل المنتظرين للسكن سوى شهور في ظل التطور في مواد وتقنيات وتكنولوجيا صناعة البيوت، خصوصا أن عدد المنتظرين لدينا للسكن أقل من 92 ألف تقريبا.

إذاً فلا عجب من قول صديقنا إنهم شخطوا علينا بسرعة البرق.