كُتِب هذا المقال قبل لحظات قليلة من إغلاق باب الاقتراع لانتخابات مجلس الأمة السابع عشر، والتي عقدت أمس الثلاثاء 6/6/2023.

وهي انتخابات شهدت أجواء ديموقراطية طيبة، رغم ما خالطها من بعض المظاهر السلبية في حملات بعض المرشحين، ومن اتهامات أو ادعاءات قامت بها بعض الحسابات الوهمية، والتي يتخفى وراءها متنفذون ومرشحون وأصحاب مال وفاسدون ومندسون، وربما أيادٍ أجنبية خبيثة، وهو ما يستوجب أن تتبنى الدولة الحسابات الموثقة بأسماء أصحابها في كل المواقع التي يسمح بها في الكويت، ليتحمل كل شخص مسؤولية ما يُنشَر على حسابه، أسوة بدول متقدمة أخذت بذلك، ولمنع القذف والسب والتشهير وقالة السوء التي تقوم بها الحسابات الوهمية.

Ad

ولعله من الأهمية بمكان الإقرار هنا بأنه على قدر فرحنا بالممارسة الديموقراطية المتمثلة في الانتخابات، وبأجواء الحرية المصاحبة لها، وخصوصاً حريات التجمع والتعبير والنشر، وعلى قدر ترحيبنا بالتنوع الذي تتسم به الانتخابات الكويتية في الطرح والرؤى وفي تكوين المرشحين والمجاميع المتنافسة أو الداعمة، وبقدر قبولنا المشاركة من قبل الناخبين وتهيئة الأجواء المناسبة لمشاركتهم وتعدد مراكز الاقتراع وتقاربها وإشراف القضاء عليها، وإشراك مجاميع وجمعيات المجتمع المدني والصحافة والإعلام بالرقابة والمتابعة، وأجواء الشفافية والعلنية في المنافسة بصفة عامة... نقول بقدر الترحيب بكل ذلك، فإن فرحتنا وترحيبنا وقبولنا ناقص أو منتقص بسبب عدد من الأمور الجوهرية الغائبة عن الانتخابات، وهي شوائب متعددة:

- فساد النظام الانتخابي الذي يقوم على منح الناخب صوتاً وحيداً لدائرة يمثله فيها 10 نواب.

- وفساده بسبب أن تكوين الدوائر مبني على تقسيم جغرافي وديموغرافي أدى إلى ظهور الاستقطابات الفئوية مناطقياً وقبلياً وطائفياً وعائلياً، وهو ما يفتّ في عضد الوطن ووحدته، ويكوّن ولاءات وانتماءات للفئة أو المنطقة أو القبيلة أو الطائفة أو العائلة، وهذا بناء انتخابي لا يبني وطناً، ويفتت الولاء!

- فساد النظام الانتخابي باستمرار ظواهر تسيء إليه، مثل العبث بقيود وسجلات البطاقة المدنية وعدم دقتها، وهو ما ينعكس على القيود الانتخابية التي تكون عليلة بكل تلك العيوب، وهو ما يحتاج إلى معالجة حقيقية وكاملة لتطهير الانتخابات من شوائب القيود، وكذلك تدفق المال السياسي، وهو ما تبين من القبض على حالات محدودة تم ضبطها بشراء ذمم الناخبين، ووجود حالات أوسع لشراء الأصوات بالطرق المباشرة وغير المباشرة والمبتكرة بعيداً عن جدية المكافحة، والتطهير الفعلي الذي لا يزال غائباً، وهو ما يستدعي مراقبة الحسابات والكثير من الإجراءات اللازمة لاقتلاع ذلك الفساد.

- وهو نظام انتخابي فاسد لوجود مزدوجين يحملون جنسيات دول أخرى شاركوا في الانتخاب، مرشحين في أحوال معينة، وبأعداد ضخمة كناخبين، وهو ما يجعل إرادة الأمة مشوهة ومزيفة بوجود هذه الأعداد الضخمة.

- وهو نظام انتخابي فاسد لعدم تطهير سجلات الناخبين من مزوري الجناسي، سواء ممن صدرت بحقهم أحكام نهائية او ابتدائية أو مَن تم إثبات ذلك عليهم بالتحقيقات التي تمت معهم، أو كما هو معلوم ومدون بالوثائق والمستندات لدى الجهات المعنية بالجنسية.

- كما أن غياب الهيئة الوطنية العليا للانتخابات بجميع اختصاصاتها المتعارف عليها عالمياً وباستقلالية كاملة، من الشوائب الجسيمة للعملية الانتخابية بكل مراحلها، وهو ما نأمل حسمه بشكل سريع في المجلس المقبل.

- ومن شوائبها الفردية «شخصنة» نظام المنافسة الانتخابية، مع غياب الأطروحات الوطنية والقضايا المحددة لمعالجة قضايا الدولة والناس، وهو حال أغلب المرشحين باستثناء قلة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.

- وأخيراً فإن التجارب الديموقراطية تحتاج إلى الاستمرارية لتنضج، ونحن بكل أسف نسير عكس عجلة التقدم، بسبب الأداء المتعثر والارتجالي والآني للنواب، وحرصهم على المكاسب الشخصية والمقاعد النيابية أكثر من حرصهم على الوطن وقوته ومنعته وقضاياه وتماسكه من جهة، وبسبب تكرار الحل أو الإبطال، مما يستلزم إعادة صلاحية الفصل في العملية الانتخابية لمجلس الأمة عملاً بالأصل المقرر في المادة 95 من الدستور.

ومع ترقب نتائج الانتخابات فإننا نتطلع إلى مجلس أمة يخلص البلد من تلك العيوب، فإصلاح النظام الانتخابي وآلياته هو مدخل الإصلاح السياسي الذي يتطلع إليه الجميع لتصحيح مسار الدولة في عملها البرلماني والتنفيذي، والذي يلزم بالضرورة أن تواكبه حكومة مختلفة بالتشكيل برئيس بصلاحيات، وليس بروتوكولياً، وبفريق متجانس على أساس برنامج محدد الموضوعات والزمن، وبوزراء لهم قصص نجاحات مشهودة وقدرات متميزة، مع حضور وندّية من الحكومة في كل الأحداث دون أن تتوارى عن الأنظار وتترك البلد في مهب الشائعات والاستعراضات السياسية لبعض مراهقي السياسة... حتى نتدارك كل تلك الشوائب.