بدأت مسيرتي في عالم اللياقة البدنية قبل ما يزيد على عشرين سنة حين كانت النوادي الرياضية وتلك المخصصة للياقة مرادفا للعضلات المفتولة، وكان ذلك أفضل، والأفضل كان يعني المزيد: المزيد من الآلات؛ من الأوقات المخصصة للتمارين؛ ومن التمارين والعرق؛ فقد مر قطاع اللياقة البدنية بنمو كبير في السنوات الأربعين المنصرمة، ويكتسي اليوم معاني أوسع عن طبيعة الأداء بحد ذاتها، وتتخطى الأبعاد المختلفة التي تشكل معا وتبني الفرد كشخص.

كاختصاصيين في مجال الصحة واللياقة البدنية غالبا ما نتساءل عما إذا كنا نؤمن خدمة جيدة لعملائنا، وغالبا ما نقارب هذه المسألة بفخر ونكرس وقتا كبيراً لإيجاد الجواب عن هذا السؤال خصوصا عبر تجاذب أطراف الحديث حول الحلول والتجارب، أما الواقع القاسي فهو أن رأينا لا يهم؛ فما يهم هو رأي العملاء، وبما أننا نعي أن وجود عملاء غير راضين هو أمر سيئ للأعمال؛ نعرف كذلك أن مفهوم رضا العميل غير ثابت خصوصا أن وجود العملاء الراضين لا يعني بالضرورة نجاحا أكيدا، فالولاء أكثر من الرضا هو ضمانة للاستمرارية، وهذه الأخيرة جيدة للأعمال.

تحقيق الولاء تحد كبير، لكني لن أتحدث اليوم عن الولاء للأعمال؛ بل سأركز على الولاء للتمارين الرياضية بحد ذاته، فنحو 33% من أعضاء النادي يتوقفون عن ارتياد النادي بعد 3 أشهر (وذلك بعد معدل تمرين واحد أسبوعيا) و٥٠% من أعضاء نادي اللياقة يتوقفون عن الحضور بعد ستة أشهر،
Ad


فوفق منظمة الصحة العالمية (2019) يؤدي غياب النشاط البدني الى نماذج من الأمراض المزمنة تعرض الفرد لخطر مرتفع من الإصابة بالأمراض والموت المبكر.

ما السبب الأساسي لغياب النشاط الجسدي؟ غياب الإرادة المحفزة.

وإنشاء عادة جديدة رهن أربعة عناصر مؤثرة أساسية:

التحفيز الشخصي: كعضو في النادي علينا تشجيعكم على الكشف عن أهدافكم بشأن اللياقة والحافز الحقيقي الكامن وراءها وهنا يصبح التمرين مع اختصاصي أو ما يسمى بالـPT عنصرا جوهريا، فالممرن الشخصي لا يساعدكم في تحديد أهداف اللياقة فحسب، بل يواكبكم في مسيرة عبوركم نحو هذه الأهداف، وتظهر الأبحاث أن أعضاء النوادي بحاجة إلى مزيج من الأهداف الموجهة نحو تحقيق النتائج (خسارة عشرة كيلوغرامات في عشرة أسابيع) وأهداف موجهة نحو إنشاء أنماط سلوكية (كارتياد النادي مرتين أسبوعيا للأسابيع الاثنتي عشرة المقبلة مهما كانت الظروف وممارسة التمارين الرياضية لثلاثين دقيقة عند كل زيارة).

إذا أردتم التمتع بفوائد التمارين التغييرية فعليكم وضع أهداف جوهرية نصب عينيكم، نحقق أولا ثم نحتفل، فعندما ننجح في اعتماد هذا التكرار في روتيننا اليومي نخلق الاستمرارية وهذه الأخيرة هي السر الذي سيأخذكم بعيدا.

الفعالية الشخصية: على كل فرد أن يؤمن بقدراته الشخصية لتخطي العوائق الاجتماعية والظرفية التي تعوق ممارسة التمرين الرياضي، ودعم استقلالية العضو خلال التمرين والتعلم عنصر أساسي، فبوسع أي شخص أن يتعلم «السكوات» من الإنترنت، إذ تكمن المسألة في أن نعرف عما إذا كان هذا التمرين المعين أو تلك الآلة أو المعلومات الغذائية... إلخ تنسجم مع نمط تمرينكم الرياضي.

ما استرعى انتباهي أثناء أيامي الأولى في الكويت هو بعض الأنماط السلوكية لدى أعضاء النادي، فليسوا مهتمين بكيف ولماذا فحسب؛ وأشعر شخصيا بسعادة قصوى حين يلجأ إلينا الأعضاء للاستفسار عن أسئلة تقنية لأن ذلك يعني أنهم ملتزمون فعلا بالفكرة أو المشروع الذي أمامهم.

الدعم الاجتماعي: شعور العضو بالانتماء وأنه جزء من مهمة جماعية عنصر أساسي، وتظهر الأبحاث في مجال الإرادة المحفزة والمواظبة على التمارين أن الحصول على الدعم الاجتماعي عنصر جوهري: الدعم الاجتماعي من العائلة والأصدقاء والزملاء... قد ينضم بعض الأعضاء إلى النادي مع صديق أو شريك رغم أن عددا آخر قد يرتاد النادي فرديا، وتظهر الأبحاث أن المنخرطين في نشاطات رياضية عبر الحصص الجماعية يرتادون النادي بوتيرة أكبر ويستمر ولاؤهم لفترة أطول.

التمتع: ينبغي أن يكون كل تمرين ممتعا والتمرين الطويل الأمد ليس بالضرورة أن يكون تمرينا جيدا، فلا يكون الفرد عموما مستعدا لمرحلة ما بعد التمرين الرياضي، ولا يريد أي شخص مواجهة صعوبات في الجلوس أو صعود الدرج مع ما يرافقه من ألم في اليوم التالي من ارتياد النادي، فهذه التجارب تبعد الناس عن التمارين وتشعرهم بالخوف منها وهذا الخوف ليس من الألم فحسب بل مما سيكون عليه شكلهم أمام نظرائهم خلال جلسة التمارين وبعدها، ولا شك أن التمارين الجماعية تؤدي دورا فاعلا في تحفيز حماسة الأعضاء عبر المدربين الداعمين والموسيقى والتصاميم الترفيهية وتقدم هذه الحصص الجماعية للأعضاء سلة من الحلول الناجعة المتنوعة التي تزيد فوائد التمارين التي يمارسونها، فلماذا لا تزاوجون تمرينكم مثلا مع حصة تمارين «للجذع» core إذا اضطررتم للتخلي عنها أثناء تمرينكم الرياضي؟ أو لم لا تستبدلون تمارين «الكارديو» بحصة «دراجة» بدلا من ٤٥ دقيقة على دراجة لا تتحرك؟

في ما يتعلق بتوافر النوادي في الكويت، تبقى الحاجة للنمو موجودة خصوصا من حيث توفير مجمعات للرياضة الشمولية، فقبل فترة الكوفيد كان الناس يحضرون عدة مناسبات رياضية، وكنا نشعر بزيادة المشاركة في هذا النوع من النشاطات مع كل موسم جديد، وعلينا نحن كقطاع خاص رفع معايير التربية البدنية عبر نوادي الرياضة واللياقة المتوافرة لعموم الشعب الكويتي. مهمتنا المشتركة هي تقريب الناس الى اعتماد نمط صحي للحياة يحميهم من التكاليف الصحية وتكاليف التأمين، وليست الكويت استثناء في هذا المجال.

أنا شخصيا أعتبر الحركة طبا وقائيا لكن ارتياد النادي لا ينبغي أن يكون قرارا إلزاميا، حيث يشكل النادي بالنسبة الى البعض بيئة مخيفة ونصيحتي لهؤلاء هي التالي: اعتمدوا روتين ارتياد المتنزه (البارك) لمشي سريع (15-20 دقيقة كافية)، فبعد شهرين تقريبا تشعرون بثقة كافية لارتياد النادي والتمتع بالتمارين بشكل أكبر، فالأمر ببساطة يتعلق بتحديد نقاط الانطلاق المختلفة وفق كل فرد وتجنب وصفات «القياس الواحد للجميع».