إنها ضربة من غير حساب أراد رئيس الجمهورية السابق، ميشال عون، توجيهها للجميع. ففي اللحظة التي يعلن فيها عن الاتفاق بين تياره السياسي والكتل النيابية الأخرى المعارضة لحزب الله وسليمان فرنحية، اختار الرجل أن يزور دمشق ولقاء الرئيس بشار الأسد. وللزيارة رسائل كثيرة ومتعددة، وكان يتم العمل عليها منذ فترة، خصوصاً أن العلاقة بين الجانبين شهدت الكثير من المتغيرات، لا سيما أن دمشق كانت تنتظر من عون أن يزورها خلال ولايته الرئاسية، لا الانتظار 6 سنوات. دون عون، لطالما حاول زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل في الفترة الأخيرة زيارة دمشق، لكنّ زيارته لم تحصل لأسباب عديدة، أولها عتب سوري قديم عليه يعود إلى عام 2018، في تلك الفترة أراد باسيل أن يزور الشام، لكنه طلب من المسؤولين السوريين أن تكون الزيارة سرية، فرفضوا.

ثانيها، أن المسؤولين السوريين لا ينسون لباسيل احتفاله بجلاء الجيش السوري عن لبنان ورفعه لافتة تشير إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان على صخور نهر الكلب، في محاكاة للوحة أخرى تتعلق بانسحاب الجيش الفرنسي.

Ad

أما ثالثاً، وبعدما نشطت اتصالات بين الجانبين في الفترة القريبة الماضية حول ترتيب زيارة لباسيل إلى دمشق على وقْع التقارب العربي مع سورية، برزت معضلة أساسية، وهي أن زيارة باسيل يجب أن تتوّج بموافقته على سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ولذلك تأخرت الزيارة ولم تتم. كما أن هناك حسابات أخرى مرتبطة بالعقوبات الأميركية، وسعي باسيل لرفعها عنه، وبالتالي أي زيارة إلى سورية ستصعّب من المهمة.

لذلك اختار عون أن يذهب بنفسه، ليقول بوضوح إنه لا يزال حليفاً لدمشق، وعلى نفس الخط الاستراتيجي مع الممانعة، بغضّ النظر عن الاختلاف في مسألة الانتخابات الرئاسية والتباعد في وجهات النظر مع حزب الله، لا سيما أن عون حريص على هذه العلاقة وعلى التحالف، والقول إنه لم ينقلب أو يذهب إلى الطرف الآخر، في ردّ ضمني من قبله على كل الاتهامات التي توجّه إليه وإلى باسيل بأنهما أصبحا على الضفة النقيضة للحزب، وذلك بسبب حسابات مصلحية، أو بسبب الضغوط والعقوبات الأميركية والسعي للتحرر منها.

وأكثر ما حاز تركيز عون في اللقاء مع الأسد، هو تأكيد صوابية الخيارات، وقدرة دمشق على تجاوز كل ما تعرّضت له من محَن، فيما طرح عون مسألة المساعدة السورية لإعادة اللاجئين السوريين. أما رئاسياً، فإن عون كان واضحاً بأن عدم الموافقة على فرنجية لا تأتي بسبب علاقة الأخير بالأسد، وهي لا تستهدف الرئيس السوري، إنما بسبب علاقة فرنجية مع نبيه بري، والذي كان أول مَن رشّح الرجل، كذلك بسبب علاقة فرنجية مع المنظومة كلها التي كان عون يواجهها وتعرّض من قبلها لكثير من الضربات. وقد أبدى عون وجهة نظره هذه، مركّزاً على أنه كشريك لسورية في التحالف لا يمكنه القبول باستضعاف المسيحيين من خلال فرض رئيس عليهم فيما هم لا يوافقون عليه. وتشير مصادر متابعة إلى أن عون حمل معه فكرة إدخال دمشق على خط الانتخابات الرئاسية من خلال إقناع حزب الله بالذهاب إلى الاتفاق على مرشح بديل غير فرنجية، ويمكن التفاهم حوله مع الآخرين، إلّا أن دمشق كانت واضحة أمام جميع مراجعيها من اللبنانيين بأنها ليست في وارد الدخول في تفاصيل الملف اللبناني، وأن حزب الله هو مَن يتولى هذا الأمر، داعية إلى ضرورة التفاهم معه.

وفي تصريحات بثّتها الرئاسة السورية، قال الأسد خلال لقائه عون إن «استقرار لبنان هو لمصلحة سورية والمنطقة عموماً، وأن اللبنانيين قادرون على صنع هذا الاستقرار بالحوار والتوافق، والأهم بالتمسك بالمبادئ وليس الرهان على التغيّرات». وأضاف: «كان للعماد عون دور في صون العلاقة الأخوية بين سورية ولبنان لما فيه خير البلدين».

وعبّر الأسد عن ثقته بـ «قدرة اللبنانيين على تجاوز كل المشاكل والتحديات، وتكريس دور مؤسساتهم الوطنية والدستورية».

واعتبر أنه «لا يمكن لسورية ولبنان النظر إلى تحدياتهما بشكل منفصل عن بعضهما، لافتاً إلى أن «التقارب العربي - العربي الذي حصل أخيراً وظهر في قمة جدة العربية، سيترك أثره الإيجابي على سورية ولبنان».

بدوره، أكّد عون أن «اللبنانيين متمسكون بوحدتهم الوطنية، على الرغم من كل شيء»، واعتبر أن «سورية تجاوزت المرحلة الصعبة والخطيرة بفضل وعي شعبها وإيمانه ببلده وجيشه وقيادته»، وأكد أن «نهوض سورية وازدهارها سينعكس خيراً على لبنان واللبنانيين».