بما أن النظام الانتخابي لدينا يقوم على مبدأ الاختيار الفردي، وعلى الاعتبارات الاجتماعية والأيديولوجية التي من شأنها التأثير على قناعات الناخبين في اختيار المرشح الكفؤ القادر على الإصلاح وأداء مهامه الوظيفية التي نص عليها الدستور، فسيظل التغيير سواء لصالح كتلة المعارضة أو الموالاة مقيداً بتلك الاختيارات التقليدية، ومع ذلك عوّدتنا الانتخابات على إمكانية اختراق تلك المنظومة متى ما برز مرشح يمتلك المهارات الخطابية والقدرة على التأثير. التغيرات المتوقعة في الانتخابات القادمة ستكون محدودة جداً مقارنة بالمجالس السابقة، وفرص دخول أعضاء جدد لن تتجاوز الـ20% مع عودة النواب السابقين الأكثر حضورا في مجلسي 2020 و2022 مما يعني أن الصراع في المجلس القادم سيكون الأشرس.

مفهوم المعارضة والمولاة يتغير وفق منظومة المصالح وتضاربها، لذلك لم يعد من المستغرب تحول هذا النائب أو ذلك لأي من المعسكرين عند اختلاف المحركات كما حدث في كل المجالس السابقة.

Ad

هذه المواقف المتغيرة للنواب السابقين تدفع بجزء من المواطنين إلى الإحجام عن المشاركة في الانتخابات، وهو أمر في غاية الخطورة على المسيرة الديموقراطية إذا ما نظرنا إلى حال الفساد والفاسدين عند غياب الرقابة الشعبية حتى لو كانت في أدنى درجاتها.

ولنعد إلى الأذهان خطاب سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح الخطاب التاريخي الذي ألقاه نيابة عنه سمو ولي العهد الشيح مشعل الأحمد الصباح في 22 يونيو 2022، والذي أسس نقلة نوعية لمرتكزات الإصلاح السياسي وللمسيرة الديموقراطية الكويتية وتعزيز مفهوم المشاركة الشعبية.

ثمار هذا الخطاب التاريخي لم تقتصر على مخرجات مجلس 2022 من ناحية نسبة التغيير، لكن في نوعية المشاريع والقوانين التي لو أقرت في حينها لكانت نقطة إيجابية وقيمة مضافة للعمل النيابي، وفي المقابل تقدمت الحكومة ببرنامج عمل احتوى على مجموعة من المستهدفات والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والخدماتية، لكنه أيضا لم يفعل على صورة قوانين وتشريعات أو إنجازات يمكن قياس نتائجها.

بغض النظر عن مخرجات المجلس القادم، فالرهان على قدرة الحكومة في التعامل مع الاستحقاقات التي كانت السبب وراء رفع استقالتها في المرات السابقة، وبتقديم برنامج عمل يقوم على مرتكزات واضحة قابلة للتطبيق والقياس، وعلى منظومة عمل جماعي بعيدا عن الاجتهادات الفردية لبعض الوزراء.

خلال الفترة الماضية قامت الحكومة بإقالة العديد من القيادات، وأيضا صدرت مراسيم لقيادات جديدة وأبقت على بعض القيادات السابقة في مناصبها، لكن هذا النهج عليه الكثير من الملاحظات، فبعض الوزراء يتصرفون بعيدا عن المعيار الذي وضعته الحكومة في برنامج عملها بالمحور التاسع «محور القوى العاملة» من البند الأول حتى الرابع في تنظيم التعيين بالوظائف القيادية وفق معايير الكفاءة والجدارة، وقياس كفاءة الأداء للحاليين.

هناك بعض الوزراء ما زالوا يتصرفون وكأن الإدارات والمؤسسات التابعة لهم ملكية خاصة يعينون ويقيلون فيها من يشاؤون، وهناك أيضا قيادات كلفت بالعمل همها تصفية الحسابات تريد لفت الأنظار لها بأي وسيلة مع أنها بالأمس القريب كانت جزءاً من منظومة الإدارة التي تدّعي أنها فاشلة وفاسدة، واليوم تريد تسجيل بطولات وهمية على الموظفين.

هذه النوعية من القيادات يفترض إقالتها وتخليص المنظومة الإدارية منها، فالساكت عن التجاوزات والأخطاء وهو جزء منها من المستحيل أن يصير مصلحاً في المستقبل.

ونجاح نظام العمل الديموقراطي في الكويت يتطلب تعاون السلطات الثلاث، حكومة معيارها الكفاءة قادرة على التنفيذ والإنجاز والمواجهة، ومجلس يراقب ويحاسب ويشرع ويضع مخافة الله نصب عينيه ومصلحة الوطن والمواطنين أمام ناظريه، وأخيراً سلطة قضائية خطها الحق والعدالة... قال تعال: «قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ».

أرجع إلى عنوان المقال فصوتي وباختصار شديد للصادق والأمين، فهما يتربعان على عرش الأخلاق، فالصادق والأمين هما معياري الأول والأخير عند وضعي لورقة الانتخاب.

ودمتم سالمين.